قصة للأطفال: "قطط وكلاب الحي"




قطط وكلاب الحي (قصة للفتيان)
بقلم: د. محسن الهذيلي
تدقيق اللغة: د. محمد نور الدين المنجد 
                                         
لم تتمكن أسرة زينب، البنت ذات الحادية عشر ربيعا، من الوصول إلى بيتها الجديد في مسقط قادمة إليه من أبوظبي إلا بعد الظهر من اليوم التالي، وقضى أفراد الأسرة ليلتهم في فندق صغير يقع في منطقة جبلية بين عمان والإمارات.
كانت قطتهم "السيامية" "لولو" في صحبتهم، وقد أمضت نصف الوقت محبوسة في قفصها، في غرفة الفندق وقد وجدت نفسها حرة من جديد راحت تكتشف المكان متنقلة بين سرير النوم والردهة والحمام.
في الحي عند الوصول إلى مسقط وخلال البحث عن البيت رقم 22 الواقع في السكة 11، لاحظت "زينب" وجود عدد غير قليل من القطط فأعجبها ذلك، قال الأب بنبرة تهكمية: "إذا كان أمر القطط مما يسعدك أنت فإنه قد لا يطمئن آخرين (ونظر إلى زوجته)، كثرة القطط في مكان ما يمكن أن تنبئ بوجود أشياء أخرى"، ارتعبت الأم وحدقت في زوجها ثم قالت: "ماذا تقصد بأشياء أخرى؟!"، قال الأب في نفس نبرته التهكمية: "فئرانًا مثلا...".
بعد أيام قليلة من استقرار عائلة زينب في بيتهم الجديد تبين أن الخاسر الأول من ذلك هي "لولو"، فقد رفضتها كل قطط السكة 11، ولم يمر يوم تخرج فيه من البيت دون أن تُهاجم وينتف شعرها الجميل والطويل.
وتتميز قطط السكة 11 بأنها كلها إناث، فليس بينها ذكر واحد، وربما عمق ذلك من غيرتها من لولو، فهي أنثى مثلها ولكنها أجمل منها. وتسيطر على كل السكة قطة أنثى اتفق الأطفال بما فيهم "زينب" على تسميتها بـ"ماماميا". ويأتي نفوذ "ماماميا" وتحكمها في المكان من كونها أم كل القطط فيه.
أما عن سبب انفراد الإناث في السكة 11 فهو غير معلوم، ويتداول الأطفال فيما بينهم عدة تفسيرات، هناك من يقول أن "ماماميا" لا تنجب إلا إناثا، هكذا خِلْقة، وهناك من يقول بل إنها تنجب الذكران أيضا ولكنها لا تحبهم فتقضي عليهم قبل أن يكبروا أو ترفض إرضاعهم منذ أن يولدوا فيموتون جوعا، هناك قول آخر يرى أنها ترضعهم ثم تتركهم يعيشون ولكن تمنعهم من العيش في السكة 11.
من بين الأطفال من يقول، وهذا هو رأي زينب أيضا، إن اختصار وجود القطط على الإناث في "السكة 11" مرتبط بالسكان، فهؤلاء يحبذون تبني وإيواء القطط الإناث على الذكران، إذ يعتقدون أن القطط الإناث ألين جانبا من القطط الذكور وأشد وفاء وارتباطا بأصحابها.
وتعرف كل هذه القطط عند الأطفال بأسمائها، بينما لا علم للكبار بذلك، اللهم إلا أولئك الذين علموا بالأمر من أبنائهم. فإطلاق اسم على كل قطة هو من الأشياء التي أحدثها الصغار، حيث يقومون بعقد الاجتماعات في بيت أحدهم أو عند الشجرة الكبيرة مقابل بيت زينب ويقررون الأمر، فهم لا يحبون أن ينفرد أحدهم بإعطاء الأسماء للقطط.
ففي الفترة الأخيرة، على سبيل المثال، ظهر في "السكة 11" قط جديد ذكر فرض هيبته على القطط الإناث بعد قتال كاد ينتهي بهلاكه، إعطاء اسم لهذا القط جاء كما يلي: أول اسم أطلق عليه هو "لايون" بمعنى أسد، وجاء على لسان أحد الأطفال. لم يعجب ذلك الباقين فاجتمعوا في يوم من الأيام تحت الشجرة الكبيرة وبدؤوا في اختيار الاسم المقبول لديهم، قالت "باث" الأسكوتلاندية الأصل إنها تتمنى أن يبدأ اسمه بالحرف "ج" أي "دجي" بالإنجليزية (G)، فقالت زينب: "أرجو أن يكون في الاسم الحرف "آو" بالإنجليزية (O)"، فقال "آمان" الهندي الأصل: "إذن نسميه "غول" (Gol)، حينئذ قال "جوجو" الهندي الأصل هو الآخر رغم جنسيته التايلندية: "الأفضل إذن أن نسميه "غولد" أي الذهب بالإنجليزية. فوافقت "جويا" شقيقها وقالت إن الاسم أعجبها، فأقره الجميع.
إذن هذه هي الطريقة التي يطلق بها أطفال السكة 11 الأسماء على قططها. وتدعى القطط كالتالي: "ماماميا" "باتشيز" "غري" "وينسدي" "بلاكي" غولدي" "غولدي لوكس" "كريسماس" وآخرهم "غولد". كان هناك ثلاث قطط أُخرى ولكنها قضت، إنها "دجين" "سيسي" "دجوي". وهذه القطط من بنات "ماماميا" وهي لم تقضي عليهن ولم تطردهن فهن إناث، ولكن حسب الأطفال، فإن من قتلهن هي "باتشيز" وذلك من فرط غيرتها منهن. وبسبب ما عرفت به "باتشز" من شراسة بعد هذا الحادث، فإن نفوس أطفال "السكة 11" قد تغيرت اتجاهها، فلم يعودوا يحبونها كما في السابق.
بالنسبة للكلاب في الحي، يمكننا أن نقسّمها إلى صنفين: هناك الكلاب الأهلية وهي "لايسي"، "مايكي"، "بوبو"، "روكي"، "تاغ" ويطلق عليها الأطفال أيضا "تاكي"، وهي محببة لديهم... وهناك الكلاب السائبة.
في البداية لم يكن لهذه الكلاب السائبة أسماء، وحدث معها مثلما حدث مع القطط، فقد اجتمع الأطفال وأعطوا لكل واحد منها اسما، وهي "مانكي"، "لايسي"، "دجنجر"، "وايتي"، و"بنكي"...
تتميز كلاب الحي السائبة بنحالتها البينة، فهي جلد على عظم تقريبا، وتعتبر الكلبة "بنكي" أكثرها نحالة على الإطلاق. وهي تعرف بمشيتها الوئيدة والبطيئة التي تبدو معها وكأنها توشك على السقوط.
ويحيط بعالم "بنكي" شيء من الغرابة وربما السحر. فهي تعتبر الكلبة السائبة الوحيدة التي تطأ بأقدامها الأرض المعبدة لسكك الحي الأربع. كل الكلاب السائبة الأخرى لا ترى إلا على مشارف السكك والبيوت، فهي تمر على مدى البصر عند المرتفعات والهضاب، تحت الجسور الصغيرة ووراء السياجات. وكلها عندما تمر قريبا ويظهر لها أحد سكان الحي من الكبار أو من الصغار تراها تفر مهرولة وهي تتلفت.
الكلبة "بنكي" مختلفة تماما، فهي كثيرا ما ترى تمشي في السكة 12 حيث تسكن أسماء، الفتاة التي أحبتها وتعلقت بها كثيرا.
في اليوم الذي اجتمع فيه أطفال "السكة 11" ليعطوا الكلاب السائبة أسماءها، طرحت زينب سؤالا فلسفيا، قالت: لماذا هناك في حيِّنا كلاب مدللة تأكل من "السيتي سنتر" وكلاب لا تجد ما تأكل؟ ثم قالت بحزن: إن "بنكي" تموت من الجوع ونحن ننظر صامتين، قالت "آنوشا"، صاحبة الكلبة "روكي": "سأقوم في المستقبل بإطعام "بنكي" مع "روكي""، قالت زينب: "هذه فكرة طيبة ولكن علينا أن لا ننسى باقي الكلاب، علينا أن نطعمها من طعامنا".
في تلك اللحظة ظهرت العجوز الإنجليزية "كوني" صحبة مساعدتها الفيليبينية. تسكن كوني السكة 14 وهي زوجة أستاذ للأدب الإنجليزي في الجامعة، كانت "كوني" ومساعدتها تمسكان بالكلبين "ميكي" و"لايسي". قال "جوجو" همسا: "انظروا إلى الكلاب المدللة".
من عادة العجوز "كوني" حين تتفسح بكلبيها أن تحمل عكازا أو عكازين عمانيين تقليديين في يدها، ويتساءل الأطفال حول حاجة "كوني" إلى ذينك العكازين، ترى زينب أنها لا تتوكأ عليهما وإنما تحملهما للزينة. ولكن أحمد قال إنه رآها تخوف بهما الكلاب السائبة، كان هذا الرأي مما لم توافق عليه "آنوشا"، حيث قالت إن العجوز "كوني" مثلهم تحب الكلاب السائبة.
وقد اقتربت جدا من الشجرة الكبيرة حيث يجلس الأطفال، قالت "كوني": "أنتم مدعوون هذا المساء إلى بيتي لقد أحضرت لكم أشياء تلونونها، ومن يتقن عمله منكم سوف أعطيه هدية جميلة".
لم يسعد الأطفال كثيرا بدعوة "كوني"، فهذه الأخيرة كثيرا ما تستقبلهم في بيتها لفعل بعض النشاطات اليدوية ولكن هداياها تكون دائما دون طموحاتهم، فهي لا تتعدى على سبيل المثال الوردة أو الكأس العادي رغم أنها تكون دائما معلبة أو مغلفة بغلاف جميل جدا.
في البداية كان الأطفال يفرحون كثيرا حين يرون الأغلفة والعلب، بعد ذلك باتوا موقنين أن أجمل ما  في هدية "كوني" غلافها البراني. ورغم عدم أهمية هدية "كوني" بالنسبة للأطفال فإنهم لم يتوقفوا عن الذهاب إليها حين تدعوهم، فأكثر ما يغريهم في جلسات "كوني" هي حكاياتها الغريبة.
والعجوز تتمتع بشخصية قريبة من الأطفال في انشغالاتها وطريقة تفكيرها وأسلوب حديثها، وهي تسعد أيما سعادة عندما ترى أن حديثها قد لقي استحسانا لدى الأطفال.
حتى تتأكد أن الأطفال سيأتون، قالت "كوني" إن لديها خبرا خطيرا سوف تعلمهم به في المساء، قالت لها "باث": "وما هذا الخبر؟ هل هو متعلق بكلاب الحي؟"، نظرت إليها "كوني" متأملة وكأن السؤال فاجأها ثم قالت: " بل إنه متعلق بكل حيوانات الحي".
عندما انصرفت العجوز، نظر الأطفال إلى بعضهم مستفهمين، قالت "جويا": "إنها تبالغ كعادتها...".
قالت "باث" مدافعة: "هي لا تبالغ ولكنها شغوفة بالحيوانات وتخاف عليها".
قالت زينب: "نحن أيضا نحب الحيوانات وعلينا أن نزورها هذا المساء في بيتها، صحيح أنها كثيرا ما تبالغ، ولكننا كلنا نحب مبالغاتها، لقد جعلتنا نتخيل القنافذ في كل مكان في حينا".
قالت "باث": "ولكن القنافذ في محيط حينا فعلا، والدي يقول لي إنه يراها أحيانا عندما يعود متأخرا في الليل".
قالت "آنوشا": "ولكن ليس معنى ذلك أن كلبيها يأتيانها بقنفذين كل ليلة، ونحن نعرف أنهما لا يغادران البيت إلا معها أو مع زوجها، إن كلبتي "روكي" هي أكثر كلاب الحي هروبا، في الليل مثلما في النهار، ولكن لم تأتني ولا مرة واحدة بقنفذ، ثم إن الكلب مهما كانت قوته لا يمكنه أن يحمل قنفذا في فمه، والدي قال لي ذلك".
قالت زينب: "ولكن كل هذا يمكننا أن نقبله منها، أما أن تقول لنا أنها رأت هذه القنافذ تطير عند طلوع الشمس، وأنها تتحول إلى غربان فذلك...".
قاطعت "باث" زينب قائلة: "أنا أيضا لم أصدق قولها ذلك".
واصلت زينب: "كلنا لم نصدق ولكننا أحببنا قولها خاصة وهي تصف لنا كيف تتحول أشواك القنفذ إلى ريش وكيف تعطيها أشعة الشمس ألوانها، إن كلامها هذا يعجبني رغم أنني لا أصدقه تماما، فأنا لا أستطيع أن أصدق أن درجة بريق ريش الغربان مساو تماما لدرجة بريق أشواك القنافذ".
قالت أسماء وهي قليلة الكلام عادة: "أنا يعجبني كلامها عندما تؤكد لنا أن شيئا واحدا في القنفذ لا يتغير عندما يصبح غرابا، مخالبه، وعندما قلت لها ولكن القنفذ بأربعة أرجل والغراب برجلين، قالت: إنه كي يتحول برجلين وجناحين يرتمي على ظهره ويتمرغ في التراب على جنبيه فيثير سحابا من الغبار ثم فجأة يستقيم غرابا".
قال "أحمد": كل ما قلتموه سمعناه من قبل ولكن من يقول لي ما هذا الأمر الخطير الذي تريد "كوني" أن تحدثنا عنه؟ لقد قالت أنه يتعلق بقطط وكلاب الحي".
نظر الجميع إلى "أحمد" ثم أطرقوا مفكرين...
قالت جويا: "إن هدفها من دعوتنا أن تستأنس بنا، لا غير، ففي المساء حين تغادر مساعدتُها تجد نفسها وحدها فتنادينا...".
قالت باث: "ولكن زوجها في البيت".
قالت جويا مقاطعة: "زوجها مشغول دائما بالقراءة، في البيت يقرأ جريدته أو كتابه وفي الطريق يقرأ آيباده".
قالت باث: "ولكن عندما يقرأ في البيت يكون معها، أليس كذلك؟".
قالت جويا متحدية: "عندي سؤال: من رأى "كوني" تمشي مع زوجها أو تتحدث معه ولو لمرة واحدة؟".
نظرت "باث" إلى وجوه بقية الأطفال ولما صمتوا أطرقت.
قالت زينب: "ولكنك يا "جويا" لا يمكنك أن تنكري أن "كوني" تحب كثيرا زوجها، "آنوشا" هل تذكرين عندما رأت "كوني" كلبتك "روكي" أول مرة؟ لقد طلبت منك أن تأتي بها إلى بيتها لتريها لزوجها، وعندما رفضتي لأن الوقت متأخر ألحت عليك وقالت لك سآخذها بنفسي وأعيدها إليك، وعندما قبلت أعادتها إليك ومعها هدية قيمة".
قالت "آنوشا" وقد حركت رأسها موافقة: "كما أنها عندما رأت "لولو" سألتنا إن كان زوجها قد رآها، ثم قالت لنا وهي مشرقة الوجه أتركوه يراها سيسر كثيرا برؤيتها".
والحقيقة أنه زيادة عن كون العجوز "كوني" وزوجها لم يريا أبدا مع بعضهما، فإن الأطفال حين يقفون على باب بيتها يلاحظون أن زوجها يغادر فور وصولهم، ويكون دائما غارقا في أفكاره وهو لا يسلم ولا يحيي أحدا، وعندما يدخل الأطفال تسألهم "كوني" دائما: "هل خرج؟".
يقولون لها: "نعم".
تقول لهم: "عنده حاجة ذهب لقضائها".
هذا ولم يربط الأطفال، في بداية معرفتهم بـ"كوني"، بينها وبين زوجها إلا من خلال الكلبين الذين يُريان مرة مع العجوز ومرة مع الزوج.
في المساء عندما زار الأطفال "كوني" وهم متشوقون إلى معرفة الأخبار الجديدة التي تتعلق بكلاب وقطط حيهم، وجدوا أنها وحدها ولم يلتقِهم زوجها مغادرا. في العادة تجتمع "كوني" بالأطفال في فناء البيت الأمامي أو الخلفي ولا تدخلهم إلا نادرا إلى مطبخها، تقول لهم إنه بيت كلبيها ولا تريد أن تتعدى على حرمتهما، هذه المرة قامت العجوز بدعوة الأطفال إلى قاعة الجلوس الرئيسية حيث طاولة الطعام الكبيرة، كان هناك على الطاولة أسلاك بلاستيكية من ألوان شتى.
قالت العجوز بنبرة فيها رهبة: "سأعلمكم اليوم كيف تصنعون عقودا لقطط وكلاب الحي".
عندما سألتها زينب عن سبب ذلك، قالت وقد أطرقت إلى الأرض: "ذلك هو السبب الخطير الذي دعوتكم من أجله، إن البلدية ستقوم باعتقال كل الكلاب والقطط السائبة في حيِّنا، ووحدها القطط والكلاب التي تحمل عقودا في أعناقها سوف تنجو من الاعتقال؛ لأن عقودها ستكون دليلا على أن لها أصحابا وأنها ليست سائبة".
ارتعب الأطفال وكان أول من نطق أحمد، قال: "هل سيعتقلون "ماماميا"؟".
قالت باث: "هل سيعتقلون "باتشز"؟".
قالت زينب "هل سيأخذون مني لولو، إنها لا تحمل عقدًا".
قالت آنوشا: "وهل سيأخذون كلاب الحي السائبة؟".
سألت أسماء: "هل سيأخذون "بنكي"؟".
أشارت العجوز إلى الأسلاك البلاستيكية وقالت: "إن لم نصنع لها عقودا ونضعها في أعناقها في أقرب وقت فإنها كلها ستختفي من الحي".
قالت زينب: "هل سيأتون في الليل لجمعها؟!".
قالت العجوز: "هذا هو وقت اصطيادهم في العادة".
تساءل حسن الذي كان أكثر المتأثرين من بين الأطفال: "ولكن كيف يمكننا أن نضع في أعناق الكلاب السائبة عقودا وهي لا تقترب أبدا من البيوت".
قالت أسماء متحمسة: "أنا أستطيع أن أضع عقد "بنكي"".
قالت جويا: "ولكننا لا نريد إنقاذ "بنكي" وحدها".
قالت العجوز همسا وبنبرة تتقنها جيدا وتنجح دائما في أن تشد بها انتباه الأطفال: "إنها كلاب جوعى ولا يجذبها إلا الطعام".
قالت زينب: "وأي طعام؟".
قالت العجوز: "نفس الطعام الذي أشتريه لكلابي من السوق".
قالت أسماء: "هذا ربما ينجح مع القطط أما مع الكلاب فلا أعتقد".
قالت آنوشا: "سوف نتمرن على الأمر مع "روكي"".
قالت زينب: "ولكن "روكي" كلبة لطيفة ووديعة رغم بعض الجنون الذي يطرأ عليها بين الفينة والأخرى".
ردت أسماء: ""بنكي" هي الأخرى لطيفة ووديعة".
قالت باث: "وأنا أيضا سوف أنجح في وضع عقد في عنق "باتشز" و"ماماميا"".
حينئذ تكلمت إليها أسماء منفعلة: "ولكن "باتشز" قطتي وأنا من سيتكفل بوضع عقد في جيدها".
ثم تكلم "أحمد" أخو "أسماء" مخاطبا "باث" قائلا: "كيف تكون "ماماميا" قطتك وهي لا تنام إلا عندنا؟".
قالت له "باث": "ولكنها تأكل عندنا، مثلها مثل "باتشز"، ومن يطعم هو الذي يتبنى".
تكلمت العجوز "كوني" قاطعة غضب الأطفال وقالت: "لنتفق أن الأول الذي سوف يطعم القطط والكلاب ويلبسها عقودها التي سوف تنجو بها، هو من سيمتلكها، أرجو الآن أن يختار كل واحد منكم لونه الخاص به، بحيث عندما نرى ذلك اللون في عنق القطة أو الكلب نقول هي لفلان أو فلانة".
أثناء تقسيم الألوان ظهر أن أغلب الأطفال يحبذون الألوان ذاتها، ما أحدث خصاما وشجارا.
تدخلت "كوني" مرة ثانية، وحكت لهم حكاية طريفة عن كل لون بحيث تحببهم فيه، وبعد كل حكاية يكون هناك طفل أو طفلة قد تعلقت باللون وكتبت الحكاية التي روتها "كوني" عنه، وأخيرا أصبح لكل واحد من الأطفال لونه الخاص الذي يحبه.
عندما غادر الأطفال بيت العجوز "كوني" كان الوقت متأخرا، فقد غلب على المكان صوت أذان المغرب. حث كل من أحمد وحسن الخطا ليلحقا بأبويهما كي يصليا معهما المغرب في المسجد. الباقون هرولوا إلى بيوتهم مرجئين مغامرة وضع العقود إلى الليل.
كانت الخطوة التي تسبق وضع العقود في الأعناق جلب الطعام، لذا وحسب قول أغلب الآباء في الحي لم يتعشَ الأطفال ليلتها، وأخذوا طعامهم وجلسوا أمام أبواب البيوت ينتظرون، ولأن الكلاب لا تمر أبدا في الليل فإن القطط وحدها من شملها حظ استطعام تلك المآكل المتنوعة، لقد انتبهت القطط إلى الحفل الباذخ الذي أعد لها، فكانت تتنقل بين بيت "أسماء" وبيت "زينب" وبيت "جويا" وبيت "باث" وبيت "آنوشا" كالمدعوة إلى ولائم أعراس.
نهض الجميع مبكرين صباحا في وقت المدارس فوجدوا القطط تكاد تختنق، فبطونها منتفخة وفي عنق كل واحدة منها أربعة أو خمسة عقود، لقد وصلت حافلات المدارس ولم يتمكن الأطفال من انقاذ القطط أو فعل أي شيء.
بعد الظهر عندما رجع التلاميذ، انتشروا في السكك يبحثون عن القطط فلم يجدوها.
قالت زينب: "علينا أن نذهب إلى "كوني" نسألها"، ركض الجميع وراء زينب حتى وصلوا إلى بيت "كوني"، عندما دخلوا عليها في فناء بيتها الأمامي وجدوها جالسة تبكي.
سألتها "باث" عما يبكيها.
قالت مخاطبة كل الأطفال: "لقد قتلتم القطط بعقودكم".
قالت لها "جويا": "ولكنها فكرتك".
قالت "كوني": "لم أقل لكم أن تضعوا في جيد كل قطة سبعة عقود".
قال حسن: "وأين هي القطط الآن؟"
قالت كوني: "قلت لك ماتت".
قال حسن: "وأين تذهب القطط عندما تموت؟".
قالت "كوني": "لقد دفنها "مايك" زوجي".
قال حسن: "وأين دفنها؟".
أشارت ناحية الجبل قائلة: "هناك...".
 قال حسن: "إذن سوف تحفر عليها الكلاب السائبة وتأكلها".
صاحت أسماء: "ولكن "بنكي" لا تأكل القطط الميتة، لقد أطعمتها قبل أن أجيء وجعلت في عنقها عقدا، وأرجوكم لا أحد يضع لها عقدا ثانيا؛ فإنها ضعيفة وعقدان في عنقها سوف يقتلانها".
وبدأت أسماء تبكي وهي تقول: "بالله عليكم لا أحد يقترب من "بنكي"، إنني أحبها، ومن يريدها يأخذها دون أن يضع عقدا آخر في عنقها".
عندما بكت أسماء، أجهشت كل البنات بالبكاء، وبعض الفتيان بكوا أيضا.
حدقت العجوز "كوني" في عيون كل الأطفال وقالت: "إن الدعاء إلى الله مع البكاء يمكن أن يعيد القطط إلى الحياة، الأمر مرتبط بمدى صدق بكائكم، ولكن حين ترجع القطط سيكون في عنق كل واحدة منها عقد واحد لا غير". كان الأطفال مسلمين ومسيحيين وهندوسا، فاتخذ كل واحد منهم الهيئة التي تعود عليها في الدعاء، وبدؤوا يدعون ويبكون. عندما انتهوا قالت لهم "كوني": "الآن ارجعوا إلى بيوتكم وذاكروا دروسكم وسوف نرى في الغد مدى صدق دعائكم وبكائكم ".
في الصباح ظهرت كل القطط وعلى كل واحد منها عقد بلون أحد الأطفال، لقد سعد الأطفال بحياة القطط بعد موتها أكثر من سعادتهم بنتائج دعائهم على مستوى ألوان العقود.
فلم يرق لـ "أحمد" و"أسماء" أن القطة "باتشز" باتت تحمل لون عقد "باث". و"باتشز" كما يقولان تقضي جل وقتها في بيتهم.
قالت "زينب" لـ "أسماء": "عليك أن تشكري الله أن أم القطط كلها في الحي تحمل لون عقدك، كما أنك الوحيدة التي نجحتِ في وضع عقد في عنق كلبة من الكلاب السائبة".
كل الأطفال متفقون أن التعامل مع الكلبة "بنكي" يتميز بسهولة كبيرة، فزيادة على كون "بنكي" هي الكلبة الوحيدة التي تطأُ بأقدامها أرض السكك الأربع فهي حين تمشي فيها تمشي بتؤدة. صحيح أن "أسماء" قد أشبعت "بنكي" أكلا في تلك الأيام ولكنها لم تكن تحتاج لذلك إن شاءت، فوضع عقد في رقبة "بنكي" ممكن دون عناء أو حيلة.
الذي أقلق "أسماء" وباقي الأطفال أنه رغم كل ما أعطته أسماء لـ "بنكي" من طعام فإنه لم يجعلها تسمن ولو قليلا، لقد بقيت "بنكي" جلدا على عظم مثل عادتها. بعض الأطفال قالوا إنها مريضة ولا بد من هجرها فربما يكون مرضها معديا، البعض الآخر فسر ضعفها بولاداتها المتعددة. تفسير العجوز "كوني" جاء غريبًا مثل كل مرة، قالت "كوني" إن "بنكي" تشبه كلبة امتلكتها عندما كانت شابة، هذه الكلبة كان يسميها الناس "لايت"، أي الضوء، لأنها كانت بيضاء وفي الليل تبدو كأنها تضيء، وقالت إن "لايت" كانت، مثل "بنكي"، ضعيفة، مهما أكلت، وإنها عندما أخذتها إلى طبيب بيطري قال لها إن مشكلتها نفسية ولابد من أخذها إلى طبيب نفساني، تقول "كوني": "في ذلك الوقت لم يكن هناك أطباء نفسانيون للكلاب مثل الآن؛ لذا أخذتها إلى طبيب نفساني للبشر، في البداية رفض أن يعاينها وبعد إلحاحي عليه سألني عنها وعن طبائعها وتصرفاتها في البيت، حينئذ قال لي: إن نفسية "لايت" تشبه كثيرا نفسية إنسان، وقال إن بعض الكلاب من كثرة ما يرتبطون بأصحابهم فإنهم يتعلمون من طبائعهم ونفسياتهم، بعدها يبدؤون يضيقون ذرعًا بصفة الكلبية عندهم، ثم قال إن الكلبة "لايت" هي واحدة منهم"، تابعت "كوني" تقول: "لاحظت بالنسبة لـ "بنكي" أنها وهي تمشي في الطريق تتبختر في مشيتها مثل سيدة أرستقراطية، إن "بنكي" ضاقت بجلدتها، وأعتقد أنه سيحدث لها في الأخير مثلما حدث لـ "لايت"".
هنا صاح الأطفال: "وماذا حدث لـ لايت"؟"
قالت "كوني" وقد فرحت باهتمام الأطفال بحديثها: " تبخرت".
صاح الأطفال بصوت واحد: "تبخرت؟!"
قالت أسماء متباكية: "ولماذا "بنكي" هي التي تتبخر؟! لماذا لا يتبخر الآخرون؟!".
قال حسن: "ولكن ما معنى تبخرت؟!".
قالت "كوني" وهي مطأطئة رأسها: "أردت أن أقول ماتت".
حكاية "كوني" عن احتمال موت "بنكي" لم تعجب الأطفال البتة، لذلك قاطعوها بشكل جماعي ولم يعودوا يترددون على بيتها رغم دعواتها المتكررة إليهم.
واصل الأطفال اجتماعاتهم تحت الشجرة لا يفسد جمعهم شيء إلى أن حدث أمر مهول، حسب رأيهم، وهو أكل "باتشز" عصفورة "جويا"، كان موت العصفورة خبرا أحزن كل أطفال "السكة 11"، ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فـ"جويا" حين أرادت أن تشتكي من "باتشز" لم تعرف إلى من تشتكيها، إلى "باث" التي تحمل "باتشز" عقدها الأزرق أم تشتكيها إلى "أسماء" التي هربت "باتشز" بالعصفورة إلى بيتهم. هذه الحادثة أعادت الأطفال إلى تفرقهم كما كان يوم أرادوا تقاسم القطط في الحي.
عندما اشتكت "جويا" أولا إلى "باث"، قالت لها: "إن "باتشز" لم تقتل عصفورتك وهي غير معادية للعصافير ولو كانت كذلك لقتلت عصفورتَيّ".
قال الأطفال لـ"باث": "إن ما تقوله "جويا" صحيح فقد خطفت "باتشز" عصفورتها وفرت بها إلى بيت أسماء، كنا نرى العصفورة لاتزال حية، لقد سمعناها تصيح بين فكي القطة"؛ ولأن "باث" أصرت على الإنكار اتجهت "جويا" إلى "أسماء" واشتكت إليها "باتشز" على أساس أنها قطتها.
قالت أسماء لـ"جويا" وباقي الأطفال: "الآن عندما أكلت "باتشز" عصفورة "جويا" اعترفتم بأنها قطتنا وليست قطة "باث"؟
قالت لها "زينب": "وما أهمية هذا الكلام، ما يهم الآن هو موت عصفورة "جويا"، وأن تكون "باتشز" لك أو لـ "باث" لا يعيد إلى "جويا" المسكينة عصفورتها".
قالت "أسماء": "إذا اعترفتم أمام "باث" بأن "باتشز" هي قطتنا فسوف أشتري لجويا عصفورة من نوع عصفورتها نفسه".
عندما سمعت "باث" أن "جويا" قد اشتكت أيضا من "باتشز" إلى "أسماء" غضبت، ولأنها أرادت أن تسبقها فقد أهدت إحدى عصفورتيها إلى "جويا". عندما انتبهت الأخيرة إلى أن العصفورة التي أهدتها إياها "باث" مصابة في أحد جناحيها لم يعجبها، قالت "باث" لـ"جويا": إن العصفورة مصابة بسبب هجوم "باتشز" عليها في أحد الأيام، فلمَ لا تعتبرها عصفورتك وقد نجت من الموت؟".
غضبت "جويا" من "باث" ولم تقبل هديتها وذلك ليس لأن العصفورة مصابة وإنما لأن التي أصابتها هي "باتشز"، و"باث" قالت في المرة الأولى أن "باتشز" ليست شريرة وهي لا تتهجم على العصافير. فـ"جويا" اعتبرت "باث" قد كذبت عليها، كما غضبت "جويا" من "أسماء" لأنها ربطت إهداءها إياها عصفورة جديدة باعترافها وباقي الأطفال بملكيتها لـ "باتشز".
واقعة موت عصفورة "جويا" كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فمع فتور العلاقة بين الأطفال بسبب اختلافهم على ملكيتهم لقطط السكة 11، فقد تسبب موت عصفورة "جويا" في افتراقهم، وبعد أن لم يعودوا يجتمعون في بيت العجوزة "كوني"، توقفوا حتى عن اللقاء تحت الشجرة الكبيرة أمام بيت "زينب".
عندما علمت العجوز "كوني" بالأمر، دعتهم ثانية فلم يلبوا، يقال إن "باث" زارتها وحدها، وأعربت لها عن عدم رضاها على سلوك "باتشز" رغم رفضها أن يشاركها في ملكيتها أحد.
يتحدث أطفال السكة 11 أن "كوني" قالت لـ"باث": "جاء موسم ولادة القطط وسوف نعرف ملاكها حقا، فالقطة لا تلد إلا في البيت الذي تعتبره بيتها".
حسب "زينب" فإن هذا الكلام لـ "كوني" قد أرضى كل الفرقاء؛ لذا بدأ الأطفال يلبون دعوات العجوز ويزوروها في بيتها ويمارسون معها بعض البراعات اليدوية.
واحدة فقط بقيت غاضبة، ولم يرضها كلام "كوني" هي "جويا" قالت: "إن العجوز "كوني" لم تعطي أي اعتبار لموت عصفورتي"، عندما علمت العجوز بكلام "جويا" اشترت لها عصفورتين وأهدتها إياهما".
في موسم الولادات، ولدت "ماماميا" ستة صغار، وولدت "باتشز" خمسة، وولدت "لولو" أربعة. ولأن القطط تكون أجمل عندما تكون صغيرة فإن كل ما كان يشغل الأطفال بما في ذلك "أسماء" و"باث" هو مشاهدة صغار القطط وهي ترضع أمهاتها، لقد نسي الجميع أن يتخاصموا على ملكيتهم للقطط الأم.
هذا رغم أننا نعرف أنه بينما ولدت "لولو" في بيت "زينب"، فقد ولدت القطتان "ماماميا" و"باتشز" في قاعة جلوس بيت "أسماء". وقد بدأ الخوض في قضية الملكية منذ بدأ الأطفال يتعودون على صغار القطط.
هناك من قال إن "باتشز" اختارت الولادة في بيت "أسماء" لأن "باث" غضبت عليها بعد قتلها عصفورة "جويا" ولم تعد ترحب بها في البيت.
آخرون يقولون إن هذا الرأي أطلقته "باث" لتغطي على خيبتها، وإنما الحقيقة أن "باتشز" تذهب لمن يطعمها أكثر وأهل "أسماء" وخاصة أمها السيدة "سعيدة" وهي من أصل أمريكي مولعة بالقطط وتشتري لهم الطعام من "سيتي سنتر".
بعد شهر من ولادة القطط أحدث الأطفال مسابقة لأجمل قطة صغيرة في السكة 11 فازت بها بكل سهولة إحدى قطط "لولو".
مر موسم ولادة القطط على أطفال السكة 11 سعيدا جدا ولم تتوقف سعادتهم إلا بعد مضي أسبوع من اختفاء الكلبة "بنكي"، إذ لم تعد هذه الأخيرة تظهر في  الطريق المعبد ولم تعد أسماء تضع كعادتها في عنقها قيادا وتمشي بها بين سكك الحي الأربعة.
وهذا المشهد رغم أنه كان يسعد "أسماء" كثيرا ويحبه باقي الأطفال إلا أنه كان سببا لضحك آخرين، إذ يحكي أطفال السكة 11 ممن يستقلون حافلة المدرسة أن سائق حافلتهم يضحك دائما ملء فيه عندما يرى "أسماء" تمشي والقياد في يدها و"بنكي" تمشي وراها. لقد وجد في نحالة الكلبة ومشيتها المتماوتة واكتناز أسماء وحسن هندامها بعض التناقض المضحك.
اختفت إذن "بنكي" عن الحي وبدأ الأطفال يتحدثون عن موتها، خاصة وأن حكاية العجوز "كوني" لم تمحَ من ذاكرتهم، وبعد أن بكت "أسماء" على "بنكي" وشاركها البكاء باقي الأطفال بما فيهم "باث"، نهض الأطفال صباح خميس على صوت حسن ينادي بكل ما أوتي من قوة: "ظهرت "بنكي" من جديد... ظهرت "بنكي" من جديد".
عندما خرج الأطفال من ديارهم يركضون رأوا "بنكي" تتمايل ماشية في "السكة 11"، ودون أن يشعروا وجدوا أنفسهم يقبلون "حسن" ثم بدؤوا يقبلون بعضهم بعضا، وحتى "أسماء" و"باث" و"جويا" فقد تبادلن القبل والعناق.
بعدها أصبحت "بنكي" تختفي لأيام أو أسابيع حتى يظن أنها ماتت ثم تعود وتظهر من جديد، حينئذ بدأت العجوز "كوني" تختلق لها الحكايات الغريبة، وأغرب ما اخترعت، تلك القصة التي تقول إن "بنكي" تتجول دائما بين السكك 11 و12 و14 و15 وأنها لم تغادرها أبدا، ولكنها بسبب إحساسها بكونها أقرب إلى الإنسان منها إلى الكلاب فهي تفضل أن لا ترى كلبة فتختفي، ولكن حبها لأطفال الحي يجبرها على الظهور من جديد لكي تراهم ويرونها.
عندما تداول الأطفال فيما بينهم هذه الحكاية عن "كوني" وذكروها لآبائهم قال أبو "زينب" إن هذا التصوير للكلبة "بنكي" مأخوذ من قصة للكاتب المعروف "مايك جوداق". في ذات اليوم قامت زينب ببحث على الإنترنيت اكتشفت فيه أن "مايك جوداق" ليس سوى زوج العجوز "كوني" وأنه إنجليزي من أصل لبناني، وتبين أن كل القصص التي روتها "كوني" إنما أخذتها من قصص كتبها زوجها.
عندما أخبرت "زينب" أطفال السكة 11 بالأمر انزعجوا وظنوا أن "كوني" كانت تجرب عليهم حكايات زوجها، وعقدوا العزم على زيارتها ومناقشتها في الأمر. في اليوم الموعود، عندما رأت "كوني" الأطفال قادمين، وكانت في فناء بيتها الخارجي تسقي بعض نباتاتها، وضعت الإبريق على الأرض ورحبت بهم ترحيبا حارا، ثم قالت حزينة: "علمت أن غدا ليلا سيأتي أعوان البلدية ليصطادوا كلاب حينا السائبة". فزع الأطفال جميعا ونسوا ما جاؤوا من أجله.
قالت زينب مخاطبة "كوني": "وما الحل لإنقاذها ونحن لم ننجح حتى الآن في وضع العقود في أعناقها؟".
قالت "كوني": "أنا أساعدكم في الأمر، بشرط أن تتبعوا قولي".
قالت "باث": "ما الذي علينا فعله؟".
قالت "كوني": عليكم أن تناموا الليلة وتنهضوا غدا باكرا عند الفجر...".
قاطعتها "جويا" قائلة: "عند الفجر؟!".
قال أحمد: "أنا أنهض عند الفجر أحيانا لأذهب مع أبي إلى المسجد".
صاح حسن: "أنا أيضا".
قالت "كوني": "عند أذان الصبح تخرجون من بيوتكم وتذهبون إلى الربوة التي ينام فيها الكلاب...".
قالت "آنوشا" مقاطعة: "ولكنني أخاف من ذلك المكان".
قالت "كوني": "إذا خفتم فتحملوا مسؤولية اعتقال الكلاب".
قالت "زينب" مخاطبة صديقتها "آنوشا": "لا تخافي يا "آنوشا" سنكون مع بعضنا".
ثم قالت لـ "كوني": "ولكننا حاولنا عدة مرات معها ولم نتمكن من وضع العقود في أعناقها!".
قالت "باث": "هل نأخذ أطعمة معنا؟".
قالت "كوني" واثقة من نفسها: "لا تأخذوا معكم سوى العقود".
قالت "جويا": "وماذا سنفعل بالعقود وحدها؟!".
قالت "كوني" محركة رأسها: "ستجدون الكلاب نائمة".
قالت أسماء: "وهل تظنين أن الكلاب لا تنتبه إلى قدومنا عندما تكون نائمة؟!".
فتحت العجوز عينيها واسعتين وقالت بكثير من الثقة في النفس: "سيكون نوما عميقا جدا... المهم ألا تخافوا ولا تنسوا أن تضعوا عقدا واحدا في كل عنق".
قال "جوجو" وهو ينظر إلى أصحابه: "وأين هو هذا الشجاع الذي سيضع هذا العقد الواحد؟".
قالت زينب: "أنا لا أخاف".
قالت "آنوشا": "أنا أيضا لا أخاف".
قالت "باث": "أنا أيضا لا أخاف".
قالت "أسماء": "من أجل إنقاذ كلاب حينا لن نخاف".
في الصباح الباكر، نهض أبو "حسن" فنهض معه ابنه. بعد أن غادر الأب إلى المسجد، غادر الابن بعده إلى السكة 11 وبدأ ينادي الأطفال بالاسم واحدا واحدا ولكن لا حياة لمن تنادي، حينئذ ظن حسن أنهم كلهم نهضوا قبله وذهبوا إلى ربوة الكلاب فأسرع إليها. عندما وصل هناك وجد نفسه وحده ولا وجود لا للأطفال ولا للكلاب نفسها. عندما عزم على الرجوع من حيث جاء تعثر في كتلة داكنة، عندما تأملها وجدها أحد الكلاب السائبة ملقى على جنبه فوق الأرض، نظر إلى رقبته فوجدها بدون عقد، وضع يده في جيبه وأخرج عقدا وضعه في جيد الكلب، مشى خطوتين فلاحظ  أن باقي الكلاب ملقاة كلها على جنوبها، وضع في رقبة كل واحد منها عقدا ثم رجع مسرعا إلى البيت مستبقا عودة أبيه من المسجد. في الضحى عندما نهض الأطفال من نومهم وجدوا أن الكلاب السائبة تتجول على مشارف الحي وفي أعناقها كلها عقود بلون عقد حسن. هرعوا إلى بيت حسن ليسألوه عن سر ذلك وكيف فعلها فقالت لهم أمه: إنه يغط في نوم عميق. انتظر الأطفال "حسنا" أمام بيتهم حتى نهض.
قالوا له: "كيف أمكنك أن تضع العقود في أعناق كل الكلاب، كيف نجحت في ذلك؟!".
بكل عفوية قال "حسن": "وجدتها نائمة، لم يرهقني إلا ثقل رؤوسها".
لتفسير نوم الكلاب العميق هذا قال بعض الأطفال: "إن "كوني" خرجت ليلا والناس نيام ونومت الكلاب مغناطيسيا".
هناك من قال: "بل إنها حين أطعمتهم وضعت لهم في الأكل دواءً منوما".
"جويا" قالت: "إنها سحرتهم.. سحرتهم".
قالت: "باث" غاضبة: "لا تخرجوا المرأة ساحرة".
قالت زينب: "على كل حال نجحت "كوني" في مساعدتنا على حماية الكلاب من الاعتقال، إذن لن نفقد كلاب حينا السائبة، لن يأخذوا منا "مانكي"، "لايسي"، "دجنجر"، "وايتي" و"بنكي".
قالت آنوشا التي تحب الاحتفالات: "رأيي أن نحتفل بهذا النجاح...".
قالت أسماء: "سوف نحتفل بأنفسنا لأننا نجحنا في مهمتنا فقد وضعنا العقود في كل قطط وكلاب الحي".
قالت "جويا" التي تغيرت نظرتها إلى "كوني" بعد أن أهدتها عصفورين وساهمت بشكل كبير في إنقاذ كلاب الحي السائبة: "ستكون "كوني" ملكة الحفل ويكون حسن أميره".
قالت زينب: "هذه فكرة جيدة؟ وما رأيكم أن نقيم الحفل تحت الشجرة الكبيرة أمام بيتنا".
وافق كل الأطفال على ذلك وقاموا بتزيين الشجرة حيث علقوا عليها كل الأعمال التي قاموا بها عند "كوني" كما لونوا الطريق الذي يمر أمام الشجرة بالأبيض وزينوه بدوائر بألوان عقودهم وكتب كل واحد منهم اسمه في دائرته اللونية".
وزعت آنوشا أدوار إعداد المآكل والمشارب على كل الأطفال وأتى كل واحد بكرسي أو اثنين جعلهما تحت الشجرة.
بدأ الحفل في المساء وانتهى في الليل، كانت فرحة الجميع بادية على وجوههم، وكانت "كوني" سعيدة جدا حيث شوهدت لأول مرة تتجاذب وزوجها "مايك" أطراف الحديث وهما سعيدان جدا.
كان كل الأطفال ينظرون إليهما مستغربين وفرحين في الوقت ذاته.
فقالت زينب: "ما أغرب "كوني" وما أغرب علاقتها بكل شيء بما في ذلك زوجها" .
انتهت

© جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي (mohsenhedili2@gmail.com)

تعليقات