ملخص فيلم طويل:
"علي حنا"
بقلم: محسن الهذيلي
يتطرق الفيلم إلى حرب الحلفاء بزعامة أمريكا على العراق، ونتابعها عبر حياة صبي
في الثامنة من العمر. نصطحبه خلال المدينة الليلة الأولى من قصفها بالقنابل
والصواريخ، وبعد ذلك أثناء موجات العنف والتفجير في أسواق المدينة وأحيائها.
يبدأ الفيلم بمشهد على بغداد عند قصفها المكثف بالقنابل والصواريخ في
الليلة الأولى من الحرب. بعد أن نرى ذاك الوابل الكثيف من النيران، ننتقل لنرى، من
أعلى المكان الذي نحن فيه، سيدة تلبس العباية السوداء العراقية مصطحبة صبيا في الثامنة
من العمر وهي تسرع به مغادرة إحدى البيوت. عندما يبلغان مسافة عشرين مترا من البيت
يصاب هذا الأخير بصاروخ فيهتز إهتزازا ويتحول إلى كتلة من نار وسحابة من غبار
ودخان.
هذه هي بداية الفيلم، وبعد الجينيريك، نجد أنفسنا في حديقة ذاك البيت، نهار
الانفجار. تتبدى لنا الحديقة هادئة مطمئنة، لا نسمع فيها إلا صوت عصفور يغني،
بعدها نرى العصفور في قفص معلق على جدار أبيض مشمس، ونسمعه يكمل غناءه زمنا. ثم فجأة
يصمت العصفور ويتجمد في مكانه. وقد استحوذ الصمت على المكان، يحرك العصفور رأسه
ويقلب عينيه في كل الاتجاهات وصدره يهتز خوفا.
في مشهد لاحق نرى طفلا في الثامنة من العمر يعدو مرعوبا في الحديقة، ونسمعه
ينادي أباه يخبره أن قطا هاجم العصفور.
بعد ذلك عندما تجتمع كل الأسرة من حول العصفور الذي كان يلفظ أنفاسه
الأخيرة، نتعرف أنها أسرة مكونة من زوج وزوجة وصبي وصبيتان. تتراوح أعمار الأبناء
بين ثماني سنين وإثناعشر سنة.
في مشهد لاحق نحضر طقس دفن العصفور
في حديقة البيت كي يكون من عصافير الجنة، حسب ادعاء الأب. أثناء قراءة الأطفال
للفاتحة، نتعرف، من خلال جولتنا في البيت، على المستوى الاجتماعي للأسرة وانشغالات
أصحابها. ونرى أن أعمالا فنية تشكيلية مثل النحوت والرسوم تزين الحديقة وجدران
البيت الداخلية. في زيارتنا لغرف الأولاد، نستنتج، من خلال الأثاث، أن لا فرق
بينها وبين غرف أطفال في نفس عمرهم يعيشون في الغرب.
في مشهد خارجي وسط بغداد، نرى سيدة غربية وقد تحلق بها بعض الرجال العراقيين
يستخبرون أمرها. كانت السيدة، التي يظن حسب الحوار أنها من طلائع المخابرات
الأمريكية، تتكلم عربية فصحى بلكنة أمركية. وكانت تسأل عن رجل عراقي بعينه.
يفسر أحد الحاضرين، أثناء تحاوره مع مجموعة من الرجال كانوا جالسين غير
بعيد، تواجد هذه المرأة الأمريكية في الشارع البغدادي دون أن يوقفها أحد، باختفاء
المخابرات العراقية من المدينة وهو ما ينذر حسب قوله باحتمال اندلاع الحرب ليلتها.
في مشهد داخلي ليلي، نتابع ثانية، في حوار بين الزوج (سعدي) وزوجته (ندى)، طرح
فكرة أن الهجوم على بغداد وشيك جدا ومحتمل تلك الليلة، وهو ما تروج له بعض وكالات
الأنباء، حسب قول الزوج.
كان الكهرباء منقطعا عن البيت وكانت الأسرة تستعمل بعض الفوانيس. عندما
نسمع أولى القصوف التي تبدو لنا بعيدة، تنهض الأم فزعة وتأتي بأولادها من غرفة
أحدهم، حيث تجدهم متحلقين بفانوس واحد يذاكرون حول طاولة.
تنزل الأم وأولادها إلى الصالون ثم تذهب تأتي بالأغطية والفرش كي تنام
الأسرة في قاعة الجلوس، "فإما أن يعيش الجميع أو يموت الجميع"، هذا ما
قالت الزوجة لزوجها مفسرة تصرفها الذي وجده غريبا. وأضافت: "إنني لم أعد أثق
في هذا العالم اللاإنساني الذي نعيش فيه".
عندما أصبح القصف أكثر كثافة، كان الأطفال قد ناموا بسبب التعب وبكائهم على
العصفور. "علي" (وهو اسم الصبي) كان على ما يبدو بين اليقظة والنوم.
فأثناء حديث الأبوين عن ذكريات لقائهما، رأيناه نائما وقفص العصفور الفارغ في
أحضانه، وذلك بعد أن رأيناه قبلها بدونه. وقد تأكدت من نوم إبنها، استرسلت الأم
وزوجها في الحديث عن ذكرياتهما وكيف تعرفا على بعضهما.
وهنا نعرف أن الزوج فنان تشكيلي عراقي وإن زوجته التي تدعى "ندى"
لبنانية الأصل. ونتعرف، من خلال بعض المشاهد المستذكرة، إن الزوج كان مرتبطا قبل
ذلك بسيدة أمريكية تدعى "صوفيا"، وإنه أنجب منها صبيين احتجزتهما أمهما
معها إلى جانب عدد من أعماله التشكيلية. نتابع هذا من خلال مشهد أو مشهدين في بيت سعدي
في أمريكا.
ونتعرف أيضا، من خلال مشهد واحد، كيف التقى الفنان التشكيلي العراقي مع
زوجته اللبنانية أثناء معرض تشكيلي غريب. فقد عرضت في هذا المعرض لوحة وحيدة. وهي
اللوحة التي أمكن لسعدي العودة بها من أمريكا. وقد قرر الفنان عرض الألواح المفقودة
بأسمائها وأبقى أطرها شاغرة.
وتعمل الزوجة اللبنانية، هي الأخرى، في ميدان الفن حيث تمتلك قاعة للعروض في
بيروت، وإنها تحترف جمع الأعمال الفنية (كولكسيونيست). وقد قبلت "ندى" أن
تشتري كل ألواح "سعدي" رغم إنها، ما عدى واحدة، ليست معه. فسعدي كان
يبيع حقوق إمتلاك أعماله المغتصبة وعلى من يقتنيها أن يطالب بها في المحاكم.
كانت ندى مقتنعة أن لا قانون ينفعها في استرداد أعمال مغتصبة لدى مواطنة
أمريكية. ما شغل بال ندى هو سعدي. فشراء ألواحه كان حسب اعترافها شراء له هو، فهو
أول ما أعجبها في المعرض.
بين طيات نفس هذا الحوار الذي جرى في بيت الزوجين ليلة القصف، نتعرف على أن
لسعدي أما تعيش في مدينة البصرة. ولم يتمكن سعدي من مقابلتها حتى بعد أن انتقل
للعيش إلى بغداد قادما إليها من بيروت. كان الابن خائفا على نفسه وعلى أمه. فوالد
سعدي وإخوته وأخواله قتلهم نظام صدام لأنهم كانوا معارضين ألداء له. ورغم اعتصام
سعدي بالصبر وعدم محاولته الالتقاء بوالدته كل تلك الفترة إلا إنه بقي متحرقا
لرؤيتها ومشفقا عليها، خاصة وهي تعيش غريبة وحدها.
ونحن نستمع إلى هذا الحديث الاستذكاري والحميمي بين الزوجين، تدخل فجأة إلى
البيت سيدة عجوز في عباية سوداء جنوبية وتمشي نحو "علي" توقضه وتأخذه من
يده. تحاول العجوز الخروج به، ولكنه يأبى عليها ويبتعد عنها. وعوض أن يمضي إلى
والديه، يتجه نحو القفص الذي كان قريبا منهما، يأخذه ثم بكامل إرادته يمشي نحو
العجوز ويغادر معها.
هذه الأحداث كانت تجري أمام أعين الأبوين ولكنهما لم يكونا يشعران. عندما
بلغت العجوز بالصبي مستوى باب الخروج، انتبه الوالدان ونظرا إليهما تلك النظرة العميقة
والجامدة التي نراها عند المحتضرين.
في مشهد لاحق نرى العجوز وهي تسرع بالصبي مبتعدة عن البيت، وعندما يكونان
على قرابة عشرين مترا منه، يُقصف بصاروخ يحوله إلى أجزاء متناثرة. بسبب قوة الانفجار
يخرج كل أهالي الحي مذعورين. يقول أحد الحاضرين أن البيت الذي قصف هو بيت الدكتور
سعدي. استغرب علي عندما لم يكلمه أحد من الجيران. بحث عن العجوز فلم يجدها. في
الحقيقة أخفى غبار الانفجار الكبير محيا علي. حاول الصبي أن يصيح أو يكلم الناس
الذين ملؤوا المكان فلم يستطع، لقد فقد صوته ولم يعد قادرا على النطق.
وقد يئس من أسرته، أدار "علي" ظهره شطر بيتهم ومشى في اتجاه مشهد
القنابل والصواريخ التي كانت تصب على وسط بغداد مثل مطر من حميم.
في مشهد لاحق، ربما سنة بعد الانفجار، نلتقي بـ"علي" في ملابس
رثة عند سوق شعبي في بغداد. ونراه جالسا القرفصاء عند دكان. قريبا منه نرى بعض
الرجال يتحدثون عن الخراب الذي لحق ببغداد وعن موت إبني صدام ورواج إشاعة عن أن
هذا الأخير ربما يكون قد غادر البلاد.
بعد ذلك طلب أحد الحاضرين من "علي" أن يأتيه بالسجائر من بائع
منتصب وسط ساحة قريبة تستعمل كسوق للحيوانات الأهلية. البائع المنتصب يبيع السجائر
والعلك وبعض اكسسوارات الحيوانات الأهلية كالقطط والكلاب والطيور وغيرها.
يدعى البائع "الحد"، وقد بترت ساقاه أثناء مشاركته في الحرب
العراقية الإيرانية، أما يداه فقويتان. ومن فرط ولعه بهما فقد زين أصابعهما بخواتم
فضية ذات أحجار من عقيق. ويستعمل "الحد" عندما يمشي ساقين خشبيتين
وعكازين. وقد أصر على أن تكون ساقاه الاصطناعيتان طويلتان جدا. فأضاف إليهما
أعوادا من الخشب بطول ذراع، فبدى معها عظيما عملاقا. ويزعم "الحد" أن
تلك هي قامته عندما كان بساقيه الطبيعيتين.
عندما وقف "علي" أمام البائع، إنتبه الأخير إلى مدى سماحته
وجماله رغم ثيابه الرثة. وهو يتحدث إليه، لاحظ ثلاث شبان يقفون في ركن من السوق
يرمقون الصبي باهتمام واضح. أخرج "الحد" كرسيا صغيرا وضعه بجانب العربة،
وطلب من علي أن يأخذ السجائر لصاحب الدكان ثم يرجع يجلس معه.
عندما رجع علي، تحدث معه "الحد" ثانية وعلم أنه يرغب في شراء
عصفور يضعه في قفصه. فتح "الحد" قفص علي وعلق فيه عصفورا بلاستيكيا من
التي يبيعها. ثم أخرج من جيبه قطعة نقدية وضعها في علبة معدنية صغيرة وسلمها لعلي.
وعرض البائع على الصبي أن يشتغل معه، كي يتمكن من جمع ثمن العصفور، فوافق.
مع اقتراب الليل، جمع "الحد" كل ما جناه من قطع نقدية واستبدلها بأوراق
نقدية لدى التاجر. وهو ينصرف طلب من "علي" أن ينتظره عند العربة وأنه لن
يتأخر، وأوصاه أن يستنجد بالتاجر ومساعديه إن أزعجه أحد.
عندما انصرف "الحد"، ظهر في ذاك الركن من ساحة السوق أولئك
الشبان وبدؤوا يراقبون "عليا" وهو يقلب نظره بينهم وبين محل التاجر. وقد
تأخر "الحد"، بدأ التاجر ومساعداه يغلقون المحل ثم قاموا بوضع عربة
"الحد" عند باب الدكان. قبل أن ينصرفوا، طمأنوا "عليا" أن
"الحد" لن يتأخر، وأن موعد قدومه قد حان.
استغل أولئك الشبان الفرصة واقتربوا من "علي" وطلبوا منه أن يتبعهم،
وقالوا له أن "الحد" لن يعود إلا متأخرا فقد أخذ المال لصاحبته الجديدة
وأبنائها. وقالوا ساخرين إن الحرب كانت طالع خير على "الحد" حيث وجد
أرملة ترضى به.
عندما رفض علي أن يأتي معهم، حاولوا أخذه بعيدا عن السوق. ورغم مقاومته،
فقد أمكن لأحد الشبان أن يقبضه من إحدى ساقيه ويجره على الأرض جرا. دون أن يشعر به
أحد، ظهر "الحد" فجأة وضرب الشاب بإحدى يديه القويتين فطرحه أرضا، عندما
طلب من باقي أصحابه أن يحملوا صديقهم ولا يعودوا إلى السوق ثانية، استغل الشاب
الملقى على الأرض الفرصة فقبض "الحد" من إحدى ساقيه الخشبيتين وجذبها
إليه فخر مثل صنم قد هوى.
وقد انشغل الشاب باشباع "الحد" ركلا بقدميه، انقض عليه
"علي" وامتطى ظهره. محاولا أن يسقطه على الأرض قام الشاب بعدة دورات حول
نفسه، ولكن "الحد" انقض على إحدى ساقيه، وبما أوتي من قوة في يده، جذبه إليه
وبدأ يضربه على رأسه. وقد بلغ به الغضب أبعد حدوده، غرز "الحد" إصبعه في
إحدى عيني الشاب ففجرها دما.
وقد استقام على ساقيه الخشبيتين، ابتعد "الحد" إلى حيث تقف عربته.
حينئذ مشى الشابان الآخران إلى صديقهما ثم أخذاه وانصرفا مسرعين.
في مشهد لاحق نرى الساحة في يوم سوق، وهي عامرة بالبائعين والمشترين
والحيوانات الأهلية المعروضة للبيع. على طرف السوق كانت هناك عربتين عسكريتين
أمريكيتين. كان "علي" يحمل قفصه وفيه ذلك العصفور البلاستيكي المعلق
وتلك العلبة المعدنية الصغيرة التي أعطاه إياها "الحد". وكان يتجول بين
باعة العصافير بحثا عن نفس نوع العصفور الذي فقده. عند بائع شيخ ليس في فمه إلا
بعض أسنان وجد "علي" ضالته. بعد أن سأل الشيخَ عن سعر العصفور، استخرج
العلبة من القفص وأخرج ما فيها من نقود. وقد صعب عليه عدها والقفص في يده، أخذ
الشيخ العلبة وبدأ في عد ما فيها بنفسه. قال الشيخ وقد انتهى من العد: "المال
غير كاف".
حينئذ تظهر تلك السيدة الأمريكية التي سبق ورأيناها، وتعبر عن استعدادها لإكمال
ما نقص من مال. ينظر إليها علي فتبتسم إليه ويبتسم إليها ويدقق النظر إلى مظهرها. وهي
تضع يدها في جيب سروالها "الجينز" لإخراج المال، يقترب منها ثلاث جنود
أمريكيين ويطلبون منها أن تتبعهم. عندما رفضت، اقتادوها عنوة إلى إحدى العربتين
العسكريتين وغادروا المكان مسرعين.
في هذه اللحظة تظهر العجوز ذات العباية السوداء، يراها علي فيسترجع علبته
المعدنية بسرعة ويضعها في قفصه، تقبض العجوز على يده وتمضي به.
في مشهد يصور ببطئ نرى عليا ويده في قبضة العجوز وهو يتطلع إلى وجوه الناس
الذين كانوا يملؤون السوق، كانوا آباء وأبناء، شيبا وشبابا وأطفالا وحتى رضعا، كان
الأطفال فرحين بما اقتنوا من حيوانات أهلية، وكان الآباء سعداء لسعادة أبنائهم.
بعد ذلك نرى "عليا" وقد فتح عينيه وسيعتين وحاول أن يصيح، ولكن
لا صوت له ولا أحد يراه أو يسمعه. كان قد رأى صديقه وحاميه "الحد" وهو بصدد
بيع عقد يضعه في جيد أرنب بيضاء على ملك أسرة مكونة من زوجين وبنت تبلغ من العمر
سنتين. عندما ابتعد علي عن ساحة السوق دوى انفجار كبير تطايرت معه الأشلاء
والأشياء.
في مشهد لاحق نرى من خلال بعض التلفزات العراقية والعربية والأجنبية صورا
حقيقية لتفجير سوق الحيوانات في بغداد مع ظهور التاريخ.
في المشهد التالي نرى "عليا" يعود إلى سوق الحيوانات، ونرى أن
الشرطة العراقية أغلقته، ونشاهد انطلاق إحدى سيارات الإسعاف حاملة آخر ضحايا
الانفجار. بعض أولياء الضحايا كانوا هناك يبكون، ورجال الشرطة قد وقفوا يمنعون
الناس من دخول موقع الانفجار. في جهة منه، كانت هناك شاحنة عادية ترفع بعض بقايا
الانفجار وقد تخللتها دماء القتلى والجرحى، وكان العاملون يستعملون في ذلك أدوات
رفع الزبالة.
على غفلة من الشرطة يبلغ "علي" وسط السوق ويبدأ يبحث عن موقع
انتصاب "الحد" مستعينا بمكان الدكان. يأخذ "علي" من فوق الأرض
لعبة هي عبارة عن سيارة إسعاف صغيرة بدون عجلات. ينتبه بعدها إلى وجود بقايا سيقان
"الحد" الخشبية. بعد ذلك، على ضوء حمرة الشمس الغاربة، يتبدى له لمعان
أحد خواتم "الحد" وهو لا يزال لاصقا في صغراه ضمن جزء من يده. يحاول
الصبي أن يرفع الخاتم فلا يستطيع. ينظر إن كان أحد يراقبه، فيفاجأ بوجود الشاب
الذي فقد عينه. يضع "علي" قطعة اليد في القفص ويجري في الاتجاه المعاكس
لوجود الشاب الأعور. يلاحظ أحد رجال الشرطة هروب علي ولحاق الشاب به ولكن لم يستطع
فعل شيء، حيث كان منشغلا بمنع الناس من دخول ساحة الجريمة.
في مشهد لاحق نرى الشاب يتعقب "عليا" خلال أنهج وطرق بغداد، ونلاحظ
أثناء ذلك الخراب الذي ألحقته الحرب بالمدينة. بعدها يجد "علي" نفسه
محاصرا بالجدار الاسمنتي الذي قسم بغداد جزئين. يحاول تسلقه فيفشل. وقد اقترب منه
الشاب، يعيد الصبي الكرة فيوفق ويصعد. يحاول الشاب ملاحقته وتسلق الجدار بعده فيفشل.
من الجهة الأخرى من الجدار نرى "عليا" ينزل وهو يتلفت وراءه
لاهثا. لأنه أحس نفسه في مأمن، قرر الجلوس ليستريح قليلا. وقد رفع رأسه ثانية، انتبه
إلى أن الشاب قد أمسى فوق الجدار. جرى "علي" في الطريق الذي أمامه، كان
الشاب ينزل من فوق الجدار ويلحق به. مرت بالقرب من علي تلك الشاحنة التي كانت ترفع
الأنقاض في موقع الانفجار فانتهز الفرصة وتسلقها. أسرعت الشاحنة بعد ذلك فلم يتمكن
الشاب من اللحاق بها.
في الشاحنة اكتشف الصبي أن بين الأنقاض التي تحملها الشاحنة أصابع أيد وأقدام
لبعض الأطفال الذين كانوا حاضرين يوم الانفجار، كما وجد بعض أحذيتهم وأشيائهم. وقد
اجتاحته رغبة جامحة في التقيؤ انتهز "علي" مرور الشاحنة بمنحنى وتخفيفها
للسرعة فقفز حاملا قفصه معه.
في مشهد لاحق نرى "عليا"، في وقت المغرب، يدخل خلسة إلى حديقة
بيتهم المدمر ويجثو على ركبتيه فوق التراب ويضع القفص بجانبه. وبينما هو كذلك، يمر
شيخ هرم فيلاحظ وجوده. يمتلأ الشيخ رعبا ويمضي مرتعشا يكاد يسقط على الأرض.
بعد ذلك نرى الشيخ يدلف وهو يتلفت إلى بيت غير بعيد.
في الحديقة نرى "عليا" والدموع في عينيه يدفن يد
"الحد".
في مشهد ليلي نرى ذلك الشيخ يرجع ومعه عجوز في سنه. كانا يتقدمان خائفين. ينظران
إلى داخل بيت علي فلا يريان أحدا. تحاول العجوز أن تتأكد من الشيخ إن كان فعلا رأى
الصبي، يؤكد لها الشيخ ثم يدخلان الحديقة وهناك يكتشفان "عليا" نائما
على الأرض. تحزن العجوز من الدم الذي كان يغطي يدي الصبي وملابسه وتسأل إن كان
لايزال حيا.
في مشهد لاحق نرى العجوز تحمم "عليا" وهي تدلك يديه الوسختين
والدمويتين وتأكد لنفسها بصوت مرتفع أن ليس هناك جروح، ينظر "علي" إلى
العجوز باستغراب فتقول له: "هل نسيت أمك فاطمة ياما حممتك عندما تتركك أمك
عندي"، وتبدأ العجوز في البكاء.
بعد ذلك نرى "عليا" وقد لبس لباسا نظيفا ويأكل بنهم والشيخ
والعجوز ينظران إليه وإلى بعضهما.
في المشهد التالي نجد أنفسنا أمام موكب حسيني تشارك فيه الجمال والخيول.
ونرى السبايا وهم في اللباس الأخضر والأسود. كان الصبي يمثل دور "علي بن
الحسين". وكان الزوجان العجوزان يتطلعان إليه من بين الجمهور بحسرة وتأثر.
من بين المتابعين للموكب تلك السيدة الأمريكية. ينتبه علي إلى حضورها، فتبتسم
إليه ويبتسم إليها إبتسامة حزينة. عندما يرى "علي" الجنود الأمريكيين
يقبلون على السيدة ويتحدثون إليها ثم يأخذونها، يحزن وينظر اتجاه الزوجين العجوزين
برأفة. كان الرادود يغني "يا جابر..." عندما تظهر العجوز ذات العباية
السوداء وتمسك عليا من يده وتمضي به. لا يبدو أن أحدا انتبه لما يجري. وحتى العجوزان
فلم ينتبها إلا في الآخر ولاحقا "عليا" بتلك النظرة العميقة والجامدة
التي نجدها عند المحتضرين.
بعدها يحدث الانفجار ونرى الضحايا
من بين الصبيان المتنكرين في ملابس الصبايا والشبان المتنكرين في ملابس السيدات. من
بين الضحايا أيضا تلك الحيوانات من الخيول والجمال.
في المشهد الموالي نرى "عليا" في فضاء خرب وهو ينزع لباس الموكب
الأخضر وقفصه بجانبه على الأرض. عندما يلتفت للانصراف يجد ذاك الشاب الأعور واقفا
عنده وقضيب حديدي في يده يهدده به. يطلب الشاب من علي أن ينظر نحو الجدار. وقد
استجاب له الصبي، يبدأ في نزع قميصه. وفجأة تتوقف حركة يد الشاب ويسقط على الأرض،
يلتفت "علي" فيرى صبيا لا يكبره إلا بسنتين بيده صخرة كبيرة. يرمي الصبي
الصخرة ويستحث عليا على الفرار ويغادران المكان.
في مشهد لاحق نجد أنفسنا في مقبرة مسيحية. نرى "عليا" وصديقه
الجديد الذي يدعى "حنا" مستلقيين على قبرين متحاذيين. القبران هما لجدي
"حنا". يشكو الصديقان إلى بعضيهما وحدتهما ويُتْمهما وتسكعهما. فبينما
قضت كل عائلة "علي" فإن كافيلي "حنا"، وهما جداه، قد قضيا
أيضا. أبوا حنا اللذان غادرا العراق قبل وفاة الجدين استقرا في أمريكا وانقطعت
صلتهما بابنهما.
ليعرّف بنفسه كتب علي اسمه على الأرض. بعد أن قرأه "حنا"، اقترح
على صديقه الجديد أن يذهبا معا في صباح اليوم التالي إلى عند جامع أبي حنيفة.
أخبره بأنه يوم عيد الاضحى وهي مناسبة جيدة لأكل المشاوي وتحصيل الصدقات.
في الصباح ينهض الطفلان باكرا، ونراهما يعدوان بين المقابر.
في مشهد موالي، نرى الولدين على جسر فوق الفرات يقطعانه في اتجاه مسجد أبي
حنيفة النعمان. في وسط الجسر، ينزع "حنا" من عنقه عقدا به صليب من الفضة
ويحاول أن يخفيه في جيبه ولكنه يسقط منه على الأرض. يحاول ثانية فينتبه إلى أن كلا
جيبيه مثقوبان.
ويرغب "حنا" في أن لا يعلم الآخرون بهويته الدينية. وقد قال مازحا،
إنه في حي المسيحيين يكون "حنا" وفي حي الشيعة يصبح "حسينا"
أما في حي السنة فيتحول "عمر". والصديقان يضجان بالضحك، قال "حنا"
إنه سيفعل في المرة القادمة مثل "علي" فحين يسأله أحد عن اسمعه يعمل نفسه
أبكما.
يأخذ علي عقد "حنا" ويضعه في علبته المعدنية ثم يعيدها إلى
القفص. بعد أن يعِد "حنا" صديقه "عليا" بأنهما سوف يجمعان عند
جامع أبي حنيفة النعمان المال الكافي لشراء العصفور، يتعانق الصديقان ويمضيان
سعيدين.
في المشهد اللاحق يطغى اللون الأبيض على بقية الألوان، ونحضر أمام الجامع تذكية
إمامه والذين معه أضحياتهم، ونشهد شوي لحم الأضاحي وتوزيعها على الفقراء من
الأطفال والنساء، كما نرى بعض الرجال في لباسهم الأبيض يوزعون بعض الصدقات، ونطالع
كذلك ازدحام المتسولين من حول الذين يوزعون اللحم أو يتصدقون بالنقود. كان "حنا"
يميل إلى هؤلاء لأنه وعد صديقه "عليا" أن يجمع له المال ويشتري له
العصفور، علي كان جائعا وكان يميل أكثر إلى التدافع ضمن من تدافعوا في طلب اللحم
المشوي.
أثناء ذلك لاحظ علي حضور سيارة أو سيارتين للجيش الأمريكي وسيارتين أو
ثلاثة للشرطة العراقية، عناصر الشرطة العراقية كانوا قد نزلوا من سياراتهم واقتربوا
من اجتماع الناس وتحدثوا إليهم.
عندما التفت "علي"، في وقت من الأوقات، جهة سيارات الجيش
الأمريكي وجدها اختفت. وقد انتابه الخوف، جال بنظره بحثا عن "حنا"، كان
يتلفت من حوله خوفا أيضا من ظهور العجوز. فجأة أحس يدا تمسك به. وقد تلمكه الفزع، أبعد
يده بقوة واستدار. فإذا هو "حنا" قد جاءه يعطيه ما جمع من مال. وضع علي
النقود في علبته المعدنية، وعندما أعادها إلى القفص جاءته من خلفه العجوز ومسكته
من يده. كان "حنا" قد قفل راجعا من حيث جاء. رفع علي يده التي فيها
القفص مشيرا إليه، ولكنه ابتعد بين جموع الناس، ثم فجأة التفت جهة "علي"
وبقي يبحث عنه إلى أن وجده. مشى نحوه بين الزحام وهو يتطلع إليه بحرقة ثم توقف فجأة
وبدأ ينظر بتلك النظرة العميقة والجامدة التي نراها عند المحتضرين. هنيهة، وحدث
الانفجار الكبير.
في مشهد لاحق نرى صور الانفجار على تلفزات عراقية وعربية وأجنبية. ونقرأ
مكان الانفجار وتاريخه.
في مشهد موال في المقبرة المسيحية، نرى قريبا من قبر جدة "حنا"
العلبة المعدنية ملقاتا مفتوحة وفارغة. بعد ذلك نسمع نفس غناء العصفور الذي سمعنا
أول الفيلم، نرى قفص علي وفيه عصفورا يشبه عصفوره الذي مات. العصفور البلاستيكي الذي
أهداه إياه "الحد" لازال هناك. كان علي نائما على ظهره، وكان هناك شيخ
ثمانيني يقترب منه يتأمله. كان الشيخ يتثبت من عقد "حنا" والصليب الذي
علق فيه وقد وضعه "علي" في جيده. عندما انتبه علي نهض مذعورا. سأل الرجل
"عليا": "ماذا تفعل فوق القبر"، فأشار إنه لا يستطيع الكلام.
استفسر الشيخ عليا إن كان يجلس على قبر جده، فحرك رأسه بالإيجاب. يخبره الشيخ أنه
يعرف جديه معرفة جيدة. يطمئن علي لكلام الشيخ ويبتسم. يسأل الشيخ عن والدي علي فيخبره
الأخير بحركة من يده أنهم سافروا. يحرك الشيخ رأسه موافقا وكأنه يعلم ثم يقول:
"إذا أنت وحدك الآن؟"، بعدها يسأل عليا عن اسمه وكأنه يريد أن يتأكد من
شيء، فيأخذ علي حجارة مثلما فعل مع "حنا" في اليوم السابق ويكتب اسم "حنا"
تحت اسم "علي" الذي لازال مطبوعا على الأرض.
يحرك الشيخ رأسه موافقا وهو يتفكر ويتأمل عليا.
في مشهد لاحق نجد أنفسنا في كنيسة عراقية عريقة خالية إلا من علي وأخت
مسيحية وذلك الشيخ الذي أصبحنا نراه في لباس رجل دين مسيحي عراقي. كان علي هو
الآخر يضع ملابس أطفال الكنيسة. وكان الجميع منهمكين في الاعداد لمجلس ديني. وقفص
علي والعصفور يقفز فيه كان موضوعا على كرسي في الصف الأول.
فجأة نسمع صوت رجل يقرأ شعرا عربيا يعبر فيه صاحبه عن مدى تسامحه واعتقاده
في فلسفة التعايش الجميلة. لم يكن القارئ سوى ذلك القس الشيخ ولكن أعطى لصوته قوة
وقرارا. عندما ينظر إليه علي والأخت المسيحية يسألهما: "قولا لي من قائل هذا
الشعر؟"، عندما لا يرد أحد يقول الشيخ يائسا: " إنه ليس لغاندي أو مونديلا،
إنه لشاعر عراقي من الجنوب"
في مشهد لاحق نرى فضاء الكنيسة خاليا وليس فيه لا القس ولا الأخت ولا علي. بعد
ذلك، يبدأ الناس أفرادا وزرافات بارتياد الفضاء، كان من بين الحضور أسر مكونة من
الأطفال والأمهات والآباء والأجداد، الصبيان والصبايا الذين جلسوا في الصف الأول أبعدوا
رويدا رويدا قفص علي عن الوسط وجعلوه في أقصى الصف إلى اليسار، عندما رجع القس
ومعه علي إلى القاعة، لم ير الأخير قفصه فارتعب وبدأ يبحث عنه بنظره حتى وجده
فاطمأن.
في كلمته الوعظية تطرق الشيخ إلى واقع الحرب في العراق فروى حكاية سمعها. قال
إن رجلا رأى في أحد أحياء بغداد طبقا طائرا ينزل فوق سطح بيته ورأى كائنا فضائيا
ينزل منه. قال الرجل العراقي أن الكائن الفضائي وبعد تحاورهما استدعاه أن يأتي معه
إلى كوكبه لأنه أكثر أمنا. ولكن الرجل العراقي اشترط عليه أن يعيده كي يموت ويدفن
في العراق. حينئذ قال له الكائن الفضائي: "إن كان همك أن تموت وتدفن في
العراق فابقى فلن تجد فرصة للموت أفضل من هذه".
يعقب القس على هذه الحكاية بقوله: "إننا العراقيون نحب بلادنا العراق
كي نموت فيها وليس كي نحيا فيها لهذا ترانا نجتهد في صنع أسباب الموت وليس أسباب
الحياة".
فجأة يتوقف الشيخ عن الكلام وينظر اتجاه باب القاعة. ينظر الحاضرون حيث
ينظر الشيخ فلا يرون شيئا. "علي" الذي انتبه إلى أن القادمة هي العجوز
ذات العباية السوداء أسرع إلى حيث قفصه وأخذه. عندما أراد أن يجري نحو الشيخ يضمه إليه
كانت يد العجوز قد قبضت على إحدى يديه. رفع علي يده التي بها القفص مشيرا إلى
الشيخ، ولكن الأخير كان ينظر إلى ما يجري أمامه بتلك النظرة التي نجدها عند
المحتضرين. هنيهة بعد أن مغادرة العجوز وعلي قاعة الكنيسة يهز الانفجار المكان.
في مشهد لاحق نرى صور انفجار الكنيسة على التلفزات العراقية والعربية
والأجنبية.
في مشهد موالي نجد أنفسنا في سوق الحيوانات ونرى المتسكع الأعور وقد أحاط
به رجال من الشرطة العراقية بينهم ذاك الشرطي العراقي الذي سبق أن رأينا وجنود
أمريكيون يتقدمهم ضابط. المتسكع الأعور كان في موقف المدافع عن نفسه وكان يقول:
"تركتموه يهرب، إنه هو الذي فجر سوق الحيوانات والحسينية والمسجد والكنيسة،
لا يغركم عمره، لقد لاحقته ومتأكد مما أقول". حينئذ يسأله الضابط الأمريكي
قائلا: "هل يمكنك أن تصفه لنا؟"
في مشهد لاحق ليلا نرى "عليا" وهو يحمل قفصه في يده ويركض في
إحدى الطرقات، تقترب منه سيارة، تتجاوزه ثم تتوقف، يخاف منها، يبتعد ثم يتوقف
ويلتفت إليها، فإذا فيها السيدة الأمريكية.
عندما يراها علي يطمئن ويقترب من السيارة فتطلب منه أن يركب بجانبها فيستجيب.
في المشهد التالي نرى عليا والسيدة الأمريكية في السيارة أثناء الليل، تلاحظ
المرأة خوف الفتى، تسأله إن كان يقبل أن يسافر معها إلى البصرة. بعد أن وافق، طلبت
منه أن يحكي لها قصته. ولأنه لا يستطيع الكلام قررت الأمريكية أن تحكي حكايتها. لحظتها
وجدت نفسها عند نقطة تفتيش. دون أن تنتبه، نزل "علي" من السيارة واختفى
مع قفصه في الظلام.
تعلم السيدة الأمريكية عند نقطة التفتيش أنه يجري البحث عن صبي خطير
وإرهابي يحمل معه قفص عصفور.
وقد ابتعدت عن نقطة التفتيش، ظهر "علي" على جانب الطريق وهو رافع
يده. عندما ركب، أخبرته السيدة أن الشرطة العراقية والجيش الأمريكي يبحثان عنه. سألته
إن كان يتعاون مع إحدى المجموعات الإرهابية فنفى بحركة من رأسه. صدقه فورا ورجعت
تروي له حكايتها عن طلاقها من زوجها العراقي وطردها له من أمريكا وقد اغتصبت
لوحاته الفنية وحرمته من ولديه الذين قضيا بعد ذلك في انفجارات 11 سبتمبر. وقالت له
أنها جاءت إلى العراق بحثا عن زوجها الذي قطعت كل اتصال به منذ سنين، وذكرت إنها كذبت
على ولديها وقالت لهم إن أبوهما قد مات. هذه الذكريات جعلتها تبكي بكاء شديدا
وتقول: "لقد خنت زوجي وأبنائي وأنا الآن أريد أن أطلب السماح".
في تلك اللحظة كانت السيارة قد وصلت عند نقطة تفتيش على إحدى مداخل البصرة،
ورأت أحد عناصر الشرطة يقترب منها فأوعزت إلى علي أن يتظاهر بالنوم. أخبرت رجل
الشرطة أن ابنها مريض جدا وفي حالة حرجة وهي ذاهبة به إلى المستشفى، من خلال نظرة
سريعة لاحظ الشرطي عليا ولمح بين رجليه القفص، رفع يده إلى زميله بأن يفتح البوابة
ومرت السيارة.
في مشهد لاحق نرى السيارة تمر وقد
بدأ النهار في الانبلاج، انتبهت السيدة من خلال المرآة العاكسة أن سيارة كبيرة
سوداء تتبعهما. نادت عليا فوجدته قد نام، بحركة من يدها أفاقته وأخبرته بأن سيارة
تلاحقهما وطلبت منه أن لا ينظر خلفه وأن يبقى واطئا، وهو يمسح عينيه من النوم فتح دولاب
السيارة الذي أمامه وأخذ قلما وورقة وكتب عليها ما يلي: "ما اسم زوجك؟"،
مستغربة قالت السيدة الأمريكية: "سعدي التميمي". كتب علي: "إنه
والدي"، نظرت السيدة الأمريكية التي هي "صوفيا" إلى علي لا تكاد تفقه
ما يجري، ثم لأنها كانت مشغولة بالسيارة التي تلاحقها وبمعرفة العنوان الذي تريد
الذهاب إليه، توقفت عند كوكبة من الشباب الواقفين على قارعة الطريق وسألتهم إن
كانوا يعرفون بيت "خديجة الجزائري زوجة التميمي"، الشباب لم يولوها
اهتماما وأشاروا عليها أن تسأل غيرهم، كان هناك شاب قادم وحده، اقترب من السيارة
وسأل السيدة: "عمن تسألين؟"، عندما أخبرته سألها: "هل هي المرأة التي
قتلوا زوجها وأبناءها وإخوتها"، قالت صوفيا: "هي ذاتها" ثم سألته
إن كان يمكنه أن يدلهما على بيتها. كانت "صوفيا" وهي تتحدث لا تصرف
نظرها عن المرآة العاكسة، كانت السيارة التي تلاحقهم قد توقفت على بعد عشرين مترا
تقريبا. ركب الشاب السيارة وبدأ يرشد "صوفيا" على الطريق، عندما أسرعت
هذه الأخيرة أسرعت بدورها السيارة السوداء التي تلاحقها، إنتبه الشاب إلى الأمر
فقال دون خوف بنبرة فيها تحد وهو يشير على "صوفيا" أن تدلف إلى منطقة
المدينة القديمة: "الحقوا بنا الآن إن استطعتم".
تتميز طرقات ومناهج المدينة بالضيق والالتواء، لذا أمكن لصوفيا بسيارتها
الصغيرة ورغم الملاحقة الشديدة أن تنجح في الهرب وأن تختفي من حين لآخر عن أنظار
ملاحقيها، في وقت من الأوقات أشار عليها الشاب أن تدخل في زقاق ضيق واختفت داخله بحيث
لا يمكن ملاحظتها من الخارج. طلب الشاب من "صوفيا" أن تركن سيارتها هناك
وأن تتبعه هي وعلي. وانصرفوا جميعا خلال أزقة المدينة.
في مشهد لاحق نرى أن السيارة السوداء التي تحمل عناصر من الأمن الخاص
الأمريكية قد اكتشفت السيارة الصغيرة، كان مع المجموعة ذلك المتسكع الأعور. من بين
المسلحين الذين نزلوا من السيارة رجل أشقر له يدان غليظتان مثل ساقين. أدخل الرجل
رأسه في السيارة الصغيرة وبدأ يتشمم فيها ثم أخرج رأسه ثانية وتشمم في الهواء مليا
ثم مشى في الاتجاه الذي مضى فيه الشاب وصوفيا وعلي. لعق بالرجل الأشقر ثلاث رجال
مدججين بالسلاح أحدهم يحمل على كتفه قاذفة صواريخ.
بعد أن قطعوا مسالك ومناهج ملتوية وصل الشاب والأمريكية وعلي إلى أمام بيت
السيدة خديجة. كان الباب الحديدي مفتوحا فقام الشاب بدفعه ودخل حاثا صاحبيه أن
يسرعا في الدخول وغلق الباب.
في الداخل نادى الشاب السيدة خديجة، عندما خرجت من إحدى الغرف اكتشفنا أنها
هي تلك العجوز التي سبق ورأينا من قبل، عندما لمحها علي خاف أن يكون هناك انفجار
قادم فقبض على يد "صوفيا" وأخذها وجرى بها اتجاه الباب، صاح فيه الشاب
لا تخرج، فابتعد وبحث عن مهرب آخر فرأى في ركن من البيت سلما يأخذ إلى السطح فجرى
إليه، كان يصيح "سينفجر البيت، سينفجر البيت". خوفا من إنفجار لا يفهمون
سببه جرى الجميع وراءه بما في ذلك العجوز.
في المشهد التالي نرى الساحة أين السيارة السوداء الكبيرة ونرى جمهورا
كبيرا من الأطفال والشباب والشيب يشرفون عليها من الأسطح المحيطة وقد أصبح عددهم
كبيرا، كان بعضهم قد بدأ في ترديد شعار يقول: "أخرجوا من بلادنا أيها
المحتلون"، خوفا من الحشود قام أحد المسلحين، وبجانبه المتسكع الأعور، بمخابرة أصحابه الذين لحقوا بعلي، قال
لهم: "توقفوا عن أي شيء وارجعوا الآن"
في مشهد موالي نرى الرجل الأشقر وهو يتشمم باب بيت العجوز، كنا قد بدأنا
نستمع من بعيد لشعار الجمهور عند السيارة السوداء. عندما تلقى أحد المسلحين مخابرة
زميله، طلب من الرجل الأشقر أن يتراجع وأن ينسحبوا جميعا. حامل قاذفة الصواريخ وهو
يبتعد توقف والتفت ناحية بيت العجوز ورماه بصاروخ فحوله حطاما.
في المشهد التالي، نرى مجموعة علي زائد العجوز وهم يركضون فوق السطوح
والانفجار يهز البيت من خلفهم.
في المشهد الذي يلي، نرى الجنود الذين بقوا عند السيارة خائفين وأسلحتهم
مسددة نحو الجمهور الغفير من حولهم على الأسطح. كان الناس العزل من الرجال والنساء
والأطفال والشيوخ يهتفون بصوت واحد: " أخرجوا من بلادنا أيها المحتلون...
أخرجوا من بلادنا أيها المحتلون..."، حينئذ يقبل المسلحون الذين كانوا
يتعقبون جماعة علي، يركبون السيارة السوداء وتغادر بهم مسرعة وقد تصاعد غبارها.
في المشهد الأخير من الفيلم نحضر افتتاح معرض تشكيلي للفنان المرحوم سعدي
التميمي في بيروت، من بين الحاضرين نرى "عليا" و"صوفيا"، السيدة العجوز
خديجة والشاب الذي ساعدهم على النجاة. كما نشاهد قفص العصفور معلقا على أحد جدر القاعة ونسمع غناءه.
يكشف هذا المعرض النقاب عن كل الألواح التي لم نراها في معرض سعدي الأول. الغائب
بينها هي اللوحة التي عرضت وحدها في المعرض الأول وسبق ورأيناها في بيت سعدي في
بغداد. وهي تعرض هذه المرة بعنوانها فقط مع كلمة: "هذه اللوحة كانت مع سعدي وعائلته
في بيتهم عندما دمره صاروخ للحلفاء في (اليوم والشهر) من سنة 2003".
ضمن المعرض، كانت هناك صور تذكارية لسعدي مع زوجته الأمريكية وابنيهما
الأشقرين، وصور له مع زوجته اللبنانية وأبنائهما ذوي "السحنة العربية". يكون
استعراض الصور بحيث نحس في النهاية بأن العائلتان عائلة واحدة. وكذلك ترجعنا الصور
إلى الأمان والفرحة الذين كان ينعم بهما سعدي مع أسرتيه الأمريكية والعربية، بنفس
الدرجة تشير الصور، عندما نحسن وكأن الأشقاء من الأم الأمريكية والأم اللبنانية بدؤوا يتخاطبون، إلى وحدة الشعوب في السلم وأن الحرب تفرقهم رغم وحدتهم الإنسانية. ويتدفق من بين ذلك
كله شعور بالاطمئنان على مصير الشهداء والمظلومين وطيب حياتهم بعد الموت.كل هذا على خلفية غناء العصفور وحديث الحاضرين وضحكاتهم الخافتة.
مع هذه الصور ينتهي الفيلم.
انتهت
© جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي (mohsenhedili2@gmail.com)
انتهت
© جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي (mohsenhedili2@gmail.com)
تعليقات
إرسال تعليق