التفاحة
قصة قصيرة للفتيان
بقلم: محسن الهذيلي
كان الأب متأخرا عن موعد عودته إلى البيت، وعندما طُرِق الباب هرع الولدان،
الابنة زينب والابن "زاهر"، لفتحه، هما يتسابقان على فعل ذلك لأن
والدهما عودهما أنه حين يرجع من العمل لا يرجع إلا وفي يده هدية أو أي شيء يفرحان
به.
ذلك اليوم، كانت الهدية تفاحة صغيرة، قال الأب: "هذه تفاحة
اغسلاها واجعلاها في طبق ثم اخبراني آتي أنا وأمكما نستطعمها مع بعضنا". كان
الابن "زاهر" يضع التفاحة تحت حنفية الماء لما طلب الأب، من فوق، أن
يُأتى له بالخفين.
ركضت "زينب" إلى خدمة والدها وانكب "زاهر" على غسل
التفاحة ثم وضعها في طبق. بعدها قال في نفسه: "لماذا لا أقسم التفاحة إلى
أربعة أجزاء، فيكون لكل واحد منا ربعه؟"، وبسرعة نفذ ما فكر فيه.
ولكنه وهو يقطع التفاحة، فاحت رائحتها فأسالت لعابه، حدثته نفسه قائلة:
"بما إنهم قد تأخروا، لما لا تبدأ، أنت، فتأكل سهمك من التفاحة، وهو الربع،
ثم عندما ينزلون يأكل كل واحد منهم ربعه؟".
أخذ "زاهر" ربع التفاحة وقضم منه قضمة صغيرة، فإذا هي لذيذة لذة
لم تخطر على قلبه، قال في نفسه وهو يغلق عينيه كأنه يستدعي حلما أو يعمق إحساسا
جميلا: "ما هذه التفاحة! لماذا هي ممتعة وطيبة هكذا؟!".
عندما أكمل ربعه، التفت إلى الأرباع الثلاثة الباقية. وهو ينظر ناحية الباب
مسترقا السمع إلى باقي الأسرة، مد يده وتناول الربع الثاني، وما أن طعم منه حتى
انزلق بكرسيه إلى الوراء. لقد أمست التفاحة، مع الربع الثاني، أطيب مذاقا وتفوح
نكهة لا توصف.
كانت قضمات "زاهر" مع الربع الثاني أصغر وكان تلذذه بها أكبر
وأكبر. فمع الطعم الطيب هناك الرائحة الطيبة!
عندما أخذ الربع الثالث، دون أن يفكر في الذين هم فوق، كانت يده ترتعش. لم
تكن ارتعاشته عن خوفه من تعديه على أسهم أبيه وأمه وأخته، وإنما كل خوفه من عالم
التفاحة العجيب وسحر مذاقها.
وجِلا، أراد "زاهر" أن يستطعم التفاحة هذه المرة كما يستطعم
الـ"آيس كريم"، وعندما لمس لسانه التفاحة نهض، هكذا، إلى الباب فأغلقه،
جعل ظهره إليه وانزلق إلى الأرض.
وهو يأكل من ربع التفاحة الثالث، أحس بأن فضاء الذوق قد اتسع، فمع الطعم
والرائحة أصبحت هناك الأصوات والموسيقى. وهي، كما قال مخاطبا نفسه: "ليست
كالموسيقى التي نعرفها، إن أفضل موسيقى مما نعرف تعد صخبا وضجيجا أمامها!!"
عندما انتهى من ربع التفاحة الثالث وأراد النهوض، وجد نفسه غير قادر على
الحركة، ولكن لابد أن ينهض ليعيش تجربة الربع الأخير. وهو ابن الثماني سنين، كان
يتحرك من زاوية الباب مثل شيخ في التسعين. لما بلغ الطاولة، وبينها وبين الباب
متران، كان يلهث مثل من قطع آلاف الأمتار عدوا.
فجأة، فتحت "زينب" الباب، حالت بينه وبين ربع التفاحة، خطفته
دونه وفرت.
في السلم قضمت زينب من ربع التفاحة قضمة على قدر فمها الصغير، عندما أحست
بطعم التفاحة الباهر تحت لسانها مكثت دون حول منها وﻻ قوة وهمست: "سبحان الله"،
ثم نادت أباها، جاءها أبوها، فمدت إليه جزء التفاحة وطلبت منه أن يستطعمه، عندما
ذاق منه، همس: "ما شاء الله"، جاءته زوجته، فمد إليها ما تبقى من
التفاحة، استذاقتها وقالت: "لا إله إلا الله".
لما اجتمع الأربعة حول الطاولة، بعد ذلك، بكى "زاهر" معتذرا على
أنانيته التي أنسته أحب الناس إلى نفسه. وادعى أنه تمنى لو كان مثل
"زينب" يحب أن يشارك الآخرين الأشياء التي تعجبه.
ولكن الأب قال له مواسيا: "بكاؤك دليل على أنك تعلمت من تجربتك. فأنت
ربما تكون قد استمتعت أكثر منا بأرباعك الثلاثة ولكنك لم تجد مثلنا، نحن الثلاثة،
من يشاركك الاستمتاع بها، لذا فكأنك لم تستمتع"
وقد أكمل الأب حديثه، سألته الزوجة والأبناء في ذات اللحظة: "ولكن، لم
تقل لنا من أين جئت بهذه التفاحة؟!"... (انتهت)
جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
© mohsenhedili2@gmail.com
تعليقات
إرسال تعليق