سيناريو فيلم قصير: "في الحَر..."

سيناريو فيلم قصير:
"في الحَرِّ..."
بقلم: محسن الهذيلي
1-   الطريق السريع أبوظبي- دبي/ خارجي/ نهار
الفتاة
تقف فتاة، ترتدي عباية وشيلة ذواتي ألوان خلابة، خارج سيارتها المركونة على جانب الطريق السريع، وتمكث على بعد متر ونصف من صندوق السيارة الصغيرة من نوع "الأوسوزو". وتبدو العجلة الخلفية من جهة الطريق تالفة.
قطع
2-   الطريق السريع أبوظبي- دبي/ خارجي/ نهار (بعد دقائق)
الفتاة، الفتى
تمر السيارات في الطريق السريع مسرعة ولا تتوقف لمساعدة الفتاة، نرى بعضا من راكبيها وقائديها من الشبان الإماراتيين بكندوراتهم وغطراتهم البيضاء الناصعة وعقالاتهم، نراهم في سياراتهم الفارهة وقد فاجأهم منظر الفتاة الأنيقة الواقفة على جانب الطريق فهم ينظرون إليها متأملين.
في هذه الأثناء تأتي سيارة وتتوقف خلف سيارة الفتاة، بحيث تكون هذه الأخيرة بينهما.
الفتى:
-         (ينزل من السيارة) السلام عليكم ورحمة الله...
الفتاة:
-         (تحرك شفتيها بالسلام ولكن بسبب حركة السير لا نسمعها ولا يسمعها الفتى)
الفتى:
-         العجلة؟ إفتح لي الصندوق من فضلك...
الفتاة:
-         (لا تتحرك من مكانها وتفتح الصندوق معتمدة على الريمود)
الفتى:
-         (يخرج الأدوات اللازمة لتغيير العجلات ثم ينزل العجلة وحين ترتطم بالأرض وتحدث صوتا معينا يقول بلهجة بحرينية) أظن أن هواءها ناقص، لابد أن تملئيها في أول محطة بنزين (ثم يرفع رأسه وينظر في اتجاه دبي، يبتسم ويشير بيده) أنت محظوظة...
قطع
3-   الطريق السريع في اتجاه دبي/ خارجي/ نهار
نرى لوحة مرور إرشادية تشير إلى أن محطة البنزين القادمة تأتي بعد مسافة 2 كيلومتر.
قطع
4-   الطريق السريع أبوظبي- دبي (عند السيارة)/ خارجي/ نهار
الفتاة، الفتى
                                                الفتى:
-         (وهو يُرِي الفتاة يديه الوسختين بسبب العجلة يقول) سوف أتبعك إلى محطة البنزين لأساعدك على نفخ العجلة...
الفتاة:
-         (لا تنبس بكلمة)
الفتى:
-         (يبدأ تغيير العجلة ويسترق النظر جهة الفتاة دون أن يرفع إليها نظره مستغربا بقاءها واقفة ثابتة في مكانها رغم الحَرِّ)
الفتاة:
-         (تنظر إلى الأفق أمامها ولا يبدو أنها تنوي الانصراف والانتظار داخل سيارتها المكيفة)
الفتى (في لهجة بحرينية واضحة):
-         أتدرين متى كانت آخر مرة غيرتُ فيها عجلة؟ قبل أقل من شهرين، لم تكن عجلة سيارتي، كان ذلك في نفس هذا الطريق وفي مثل هذا اليوم، رأيت سيارة "لوكسز" واقفة على جانب الطريق ولمحت عجلتها تالفة، ظننتها حرمة أو شيخا فتوقفت، ولكنني حين ترجلت نزل من السيارة شاب في العشرينات، كان أنيقا جدا وكانت رائحة عطره تضرب على بعد عدة أمتار وكان انعكاس الشمس على بياض كندورته مبهرا. قال لي: "لم تتأخروا..." قلت له: "من نحن؟!" قال: "الميكانيكي"، قلت: "ظننتها العجلة..." قال: "نعم هي العجلة" فقلت له مندهشا: "أنا لست الميكانيكي وإنما توقفت لمساعدتك..." وفهمت عندها لماذا لم يقم ذلك الشاب بتغيير عجلته بمفرده.
الفتاة:
-         (واقفة في نفس مكانها لم تغيره وهي تستمع إلى الفتى)
الفتى:
-         (وهو ينظر ثانية إلى يديه الوسختين) إنه ذلك البياض الناصع وذاك العطر، ولكن ليس ذلك وحده... (مفكرا وكأنه أراد أن يقول شيئا ثم رده) ما لاحظته بعد ذلك أن الشاب صاحب "اللوكسز" لم يتحمل حتى الوقوف بجانبي في الحَرِّ وركب سيارته المكيفة وبقي ينتظر... لذا تعجبت عندما رأيت أنك مصرة على البقاء تحت الشمس، كنت أسمعه يتحدث في البداية مع الميكانيكي ثم لمحته يكتب رسائل نصية ربما لشباب مثله أتلفت عجلاتهم وهم لايزالون ينتظرون الميكانيكي... لذا أقول لك إنه من الصعب مثلا أن تتوقف سيارة فيها رجل يلبس كندورة بيضاء ناصعة ويضع على رأسه غطرة بيضاء نظيفة جدا ومعطرة، من الصعب على هذا الرجل أن ينزل ليساعد شخصا على تغيير إطار سيارته حتى لو كان هذا الشخص فتاة محترمة وأنيقة. (ينظر إلى السماء) مع هذا الحَرِّ، وخاصة إذا كانت الكندورة من "البوليستير"... (متوقفا ومفكرا) هل تعرفتي على لهجتي؟...
الفتاة:
-         (تحرك رأسها بالإيجاب)
الفتى:
-         ربما تتساءلين لماذا لا ألبس أنا أيضا كندورة وغطرة وعقال؟.. في البحرين لم تعد هذه الملابس موضة بين كثير من الشباب، في الإمارات الشباب يصرون على لبسها حتى لا يظنهم الآخرون أغرابا. في البحرين، على العكس، أصبحنا نريد أن يحسبنا الآخرون أغرابا لذا لا نحب أن نُعْرَف بملبسنا الخليجي فيُلاَحَظ أننا غير قادرين حتى على المحافظة عليه نظيفا ومكويا... لكن لا تظن أننا في البحرين لم نعد نحب الكندورة والغطرة والعقال، إنني في بعض المناسبات حين ألبسها أحس أنني عدت إلى نفسي، ولكن عندما تكون عاطلا عن العمل في بلادك وغير قادر على المحافظة على بياض كندورتك وكويها، فإنك تقرر أن لا تلبسها أبدا... وحين تستوحشها تنظر إليها على جسد بعض البحرينيين الذين لازالوا قادرين على لبسها، أو إنك تنزل إلى الإمارات... لتراها...
الفتاة:
-         (لازالت صامتة ولكن بدا عليها التأثر)
الفتى:
-         (متفكرا وقد توقف عن العمل) هل تحبين أن أقول لك سرا؟
الفتاة:
-         (لأول مرة تتفاعل مع حديث الفتى فتحرك رأسها بالإيجاب بلطف)
الفتى:
-         لقد جئت لأعيش هنا في الإمارات حتى ألبس الكندورة والغطرة والعقال، ولكن، وبسبب أنني بقيت زمنا طويلا لا أضعها، فإنني في أيام العطلة ألبس كما ترين (مشيرا إلى لباسه) "تي شورت" و"دجينز"، (يرفع رأسه، وهو ينظر أمامه يقول) هل تحبين أن أقول لك سرا آخر؟
الفتاة:
-         (تحرك رأسها بلطف موافقة وتلمع على شفتيها ابتسامة مكظومة)
الفتى:
-         حتى لو لم أكن في عطلة وكنت بكندورتي وغطرتي وعقالي لتوقفت لك وغيرت لك العجلة...
الفتاة:
-         (تنظر أمامها على استحياء)
الفتى:
-         هل تدرين لماذا؟
الفتاة:
-         (تعبر بوجهها أنها تريد أن تعرف)
الفتى:
-         (يبتسم) لن أقول لك أن ذلك بسبب شهامتي، ولن تسمع مني كلاما في الغزل المبتذل وإنما سأقول لك الحقيقة... (بعد صمت) طريقتك... في طلب المساعدة... أعجبتني... لو بقيت في سيارتك لما توقفت لك، ربما ظنتك شابا ينتظر ميكانيكي... أعجبني كثيرا أنك خرجتِ من سيارتك وتوقفت قريبا من عجلتك التالفة وأنت تنظرين إلى الأفق أمامك (وهو ينظر ثانية إلى السماء) وذلك رغم هذا الحر الشديد... لقد أعربتِ بذلك عن احترامك لمن سينزل في هذا الحر ليساعدك (ينهض وينظر لأول مرة في وجهها) ثم إنك لم تتحرك من مكانك وبقيتِ تحت الشمس الحارقة رغم لباسك الأسود... المساندة والوقوف إلى جانبه حتى أثناء طلب المساعدة هو ما يريده الفتى من الفتاة التي يحب أن يتزوجها، (يصرف نظره إلى الأفق) أنا الآن انتهيت (يرفع العجلة التالفة فيضعها في مكان الأخرى ويجمع أدوات تغيير العجلات ويعيدها إلى مكانها ثم يغلق صندوق سيارة "الأوسوزو"، وهو ينظر في اتجاه محطة البنزين ويشير إليها بيده يقول) سأتبعك إلى هناك...
الفتاة:
-         (يبدو عليها التأثر ولكن لا تنبس بكلمة، ورغم ذلك تبقى مطرقة ولا تمضي إلى سيارتها، ربما كانت تريد أن تقول شيئا ولكن في الأخير تقرر أن تمضي وتركب سيارتها)
5-   الطريق السريع أبوظبي- دبي/ خارجي/ نهار
نرى سيارة الفتاة "الأوسوزو" تمشي على جانب الطريق ببطئ وسيارة الفتى "الألتيما" تتبعها إلى أن يصلا عند محطة البنزين
قطع
6-   محطة البنزين/ خارجي/ نهار
الفتاة، الفتى
تتوقف سيارة الفتاة عند نقطة الهواء وتتوقف وراءها سيارة الفتى، ينزل الفتى من سيارته، يأخذ خرطوم الهواء وينحني ليبدأ شحن العجلة بالهواء، حينئذ تنزل الفتاة من سيارتها وتقف قريبا منه (في الحر)...
انتهت.
© جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي (mohsenhedili2@gmail.com)

تعليقات