سيناريو فيلم قصير: الزكاة
أو
"حتى ترتاح"
بقلم: محسن الهذيلي
1-
خارجي/ أمام عمارة
فاخرة/ نهار
خمس موظفين كبار في شركة أبو سلطان، أبو سلطان
أمام مدخل العمارة وقدام الباب
بالضبط يوجد موقف إنزال خاص بسيارات الشخصيات المهمة، نرى سياراتهم الفارهة التي يقودها
سائقون وهي تتراوح بين "البي آم دابل يو" و"المرسيدس"
و"اللوكسس" و"البورش"، نراها تتوقف وينزل منها رجال في بدلات ويحملون
حقائب في أيديهم ويدخلون على عجل إلى العمارة. بعد ذلك ينقطع قدوم السيارات ثم نرى
أولئك الشخصيات المهمة التي سبق ورأينا تخرج ثانية من العمارة وتقف في صف منتظرين
شخصا واضح أنه مهم جدا. قليلا وتأتي سيارة "رولس رولس" فاخرة جدا. ينزل
السائق مسرعا ويفتح الباب لصاحبها فينزل وإذا به رجل قد تجاوز الستين وهو في لباس
خليجي. يسلم عليه أولئك المسؤولون المهمون ويتحلقون به ويدخل الجميع من باب
العمارة الفاخرة.
2-
داخلي/ ممر مفروش
بزربية فارسية طويلة وعلى جدرانه لوحات تشكلية مهمة/ نهار
الخمس موظفين كبار، أبوسلطان، أبو سعيد (أحد أبناء
أبي سلطان)
يمشي أبو سلطان ومدرائه الخمسة من
حوله وهو يتحدث مع أحدهم بالإنجليزية
أبو
سلطان:
-
"مايكل"..
ماذا حصل مع صفقة الشاحنات؟!
مايكل:
-
(يقترب أكثر من أبي
سلطان وفي انضباط واضح يقول ولا ينسى أن ينظر إلى باقي زملائه من المدراء) تصل
بداية الأسبوع القادم ولن تتأخر عن ذلك...
أبو سلطان:
-
(بهدوء ودون أن يُشعر أنه
يعطي أوامر) أريدك أن تعرف سبب هذا التأخير أعني السبب الحقيقي...
مايكل:
-
(يحني رأسه) لقد بدأت
تحرياتي بالفعل..
في هذه اللحظة يظهر أمام باب
المكتب الفاخر الذي ينتهي إليه الممر شاب في آخر الثلاثينات في اللباس الخليجي،
عندما يراه الموظفون الخمسة يستأذنون فورا من أبي سلطان ومن الشاب وينصرفون. يفتح
الشاب باب مكتب أبيه ويتركه يدخل قبله ثم يلحق به..
3-
داخلي/ مكتب أبي سلطان/
نهار
أبو سلطان، أبو سعيد
(الابن)
يتمتع المكتب الفاخر جدا بمشهد
بانورامي على كامل المدينة من أقصاها إلى أقصاها
أول ما يغلق أبو سعيد الباب يبدأ
في الحديث مع أبيه في مسألة تتعلق بأمه
أبو
سعيد:
-
أمي قالت أنها طلبتك
فوجدت محمولك مغلقا..
أبو سلطان:
-
(راغب في الحديث عن شيء
آخر) سوف أطلبها فيما بعد.. قل لي هل جلسْتَ مع أخيك؟
أبو سعيد:
-
(مترددا ومخفيا
انزعاجه) إنه يتهرب مني..
أبو سلطان:
-
بات يتهرب منا جميعا...!
أبو سعيد:
-
لقد جلس مع أمي
البارحة..
أبو سلطان:
-
(باهتمام كبير) وهل
أخبرها بشيء؟؟
أبو سعيد:
-
(غير متأكد وغير مصدق ما
يقول) قال أن الحقل كتبه باسمه..
أبو سلطان:
-
(يبتسم ابتسامة يأس)
يكذب.. محامِيَّ في "جينيف" علم أنه كتبه باسمها..
أبو سعيد:
-
هو مصر على أن
يتزوجها..
أبو سلطان:
-
(وقد ظهر الانفعال على
قسمات وجهه دون أن يفقد هدوءه في الكلام) إلا الزواج.. قلت لكم إنني لن أتدخل في
حياتكم إلا الزواج فإنه لا يتم إلا بموافقتي..
أبو سعيد:
-
(ينظر إلى أبيه مكترثا)
اسمح لي أبا سلطان ولكن اثنان من بناتك طلقن..
أبو سلطان:
-
(مرعوبا) وهل الثانية
طلقت هي الأخرى؟!!!
أبو سعيد:
-
تحدثت مع زوجها
البارحة.. إنها مصرة على الطلاق..
أبو سلطان:
-
(يقترب من النافذة
الكبيرة وهو يتنهد وينظر إلى الخارج ولكن لا ينبس بكلمة)
أبو سعيد:
-
حاول أن تلتقي بأمي حتى
ترتاح..
أبو سلطان:
-
(ينظر من خلال المشهد
البانورامي في اتجاه حديقة بعيدة جدا ويقول مفكرا) أنا لا يريحني إلا شيء واحد..
أبو سعيد:
-
(كاشفا عن سر ربما يكون
خافيا على الأب) أم سلطان تظن أن لك زوجة جديدة..
أبو سلطان:
-
آه.. (ويفتح فاه
مستغربا ولكن لا ينبس بكلمة)
4-
خارجي- داخلي/ (في سيارة
إيكو قديمة)/ نهار
أبو سلطان
أبو سلطان ولكن متنكرا في ملابس
عامل هندي أو بنغالي ويغطي رأسه ومستوى لحيته وفمه بلحاف.
أبو
سلطان:
-
(يخاطب نفسه وهو يقود
السيارة) ما قيمة الثروة إذا كنت، حتى أرتاح، أتنكر في لباس الفقراء وأجلس
وحدي في حديقة شعبية... (يبتسم ساخرا من نفسه وكأنه يحاورها)
صوت النفس:
-
عمر بن الخطاب كان يخرج
متنكرا!
أبو سلطان:
-
عمر بن الخطاب؟!.. (ابتسامة
ساخرة) وهل كان لعمر بن الخطاب ما لدي من مال؟! وهل كان يتهرب من إخراج الزكاة؟!..
صوت النفس:
-
ولكنك تخرج الزكاة!!
أبو سلطان:
-
أخرج ماذا؟! هل ذلك
المال الذي أعطيه كل سنة باسم الزكاة يعتبر زكاتي؟! إنه لا يجيء واحدا بالمائة مما
يجب علي إعطاءه، ثم هل أنا أعطيه لمستحقي الزكاة..؟!
5-
خارجي/ أمام حديقة
شعبية/ نهار
أبو سلطان في لباس الفقراء
تصل سيارة "الإيكو" عند
الحديقة وينزل منها أبو سلطان، يتأكد أن وجهه مغطى، يغلق باب السيارة ويدخل إلى
الحديقة.
6-
خارجي/ داخل الحديقة
الشعبية/ نهار
أبو سلطان، الأم المنقبة، أبناءها الثمانية
يجلس أبو سلطان على كرسي عمومي في
زاوية منعزلة من الحديقة، يكون وحده ثم تأتي عائلة مكونة من أم منقبة وثمانية
أطفال فتحط عند فضاء للعب يبعد 15 مترا منه. يبلغ أكبر الأطفال من العمر 12 سنة
وأصغرهم يحبو.
أبو
سلطان:
-
(وهو يتأمل الأطفال
الثمانية ذوي الملابس المتواضعة يلعبون، يقول مواصلا حديثه مع نفسه) ليتني أستطيع
مساعدة هذه العائلة الكبيرة.. لو أحصل على عنوانها..
الابن الأكبر:
-
(كان يلعب فيلتفت فجأة
جهة أمه التي يبدو أنها نادته، يمشي إليها، يلحق به عدد من إخوته، يقف أمام أمه،
يستمع إليها تحدثه ثم يلتفت فجأة جهة أبي سلطان، إخوته الذين معه ينظرون بدورهم نحو
أبي سلطان)
الأم المنقبة:
-
(دون أن تبدر منها أي
التفاتة، يبدو أنها تكلم ابنها عن أبي سلطان)
الابن الأكبر:
-
(يلتفت إلى أبي سلطان
ولا يرفع عينيه عنه ثم يمشي إليه، فيتبعه
كل إخوته بما في ذلك الطفل الذي يحبو)
الأم:
-
(تنهض لابنها الذي يحبو
تأخذه في حضنها وتترك الباقين يلحقون بشقيقهم)
الابن الأكبر ومعه إخوته:
-
(يمشون نحو أبي سلطان
حتى باتوا قريبين منه)
أبو سلطان:
-
(مستغربا يحدث نفسه)
ماذا يريد هؤلاء مني؟!!!!
الابن الأكبر:
-
(بعد أن يقطع صحبة
إخوته الخمسة عشر مترا، يتوقف على مسافة مترين من أبي سلطان ويبقى يتأمله صامتا
وباقي إخوته يفعلون مثله)
أبو سلطان:
-
(ينظر إلى الابن الأكبر
وإلى ملابسه وملابس إخوته النظيفة ولكن المتواضعة وتبدر منه ابتسامة تعجب)
الابن الأكبر:
-
(أخيرا يتكلم) أنت هندي
أم بنغالي..؟
أبو سلطان:
-
(يتذكر أنه متنكر في
ملابس عامل، يسأل دون أن يفكر كثيرا ومقلدا طريقة الهنود في تكلم العربية) هندي!
لماذا؟
الابن الأكبر:
-
(دون أن يجيب على
السؤال، يتركه وينصرف ويتبعه إخوته الستة)
يمشي الأطفال الثمانية ناقص واحد
حتى يصلوا عند أمهم، يقف أكبرهم أمام أمه والباقون من حوله، يبدو من عند أبي سلطان
أن الأم تحاوره، بعدها يتركها ويمشي نحو أبي سلطان
الابن
الأكبر:
-
(بعد أن يقطع الخمسة
عشر مترا يقف أمام أبي سلطان ويسأل) هل أنت مسلم؟
أبو سلطان:
-
(مستغربا يحرك رأسه
بالإيجاب وقبل أن ينطق بكلمة نعم يكون الابن الأكبر قد انصرف وإخوته وراءه)
بعد أن يقطع الإخوة المسافة
الفاصلة، يقفون أمام أمهم، الابن الأكبر في المقدمة والآخرون من حوله.
الأم
المنقبة:
-
(التي لا تنظر أبدا في
اتجاه أبي سلطان، تحدث ابنها مليا ثم تخرج من حقيبة يدها ظرفا تعطه إليه)
الابن الأكبر:
-
(يأخذ الظرف من يد أمه
ويمشي به إلى أبي سلطان)
بعد أن يقطع الابن الأكبر وباقي
إخوته المسافة الفاصلة، يصلون عند كرسي أبي سلطان
الابن
الأكبر:
-
(وقد وقف أمام أبي
سلطان وإخوته من حوله والظرف في يده) قلت إنك مسلم..؟
أبو سلطان:
-
(يحرك رأسه بالإيجاب
مغمضا عينيه تقريبا) إن شاء الله...
الابن الأكبر:
-
(يمد
الظرف إلى أبي سلطان)
أبو سلطان:
-
(بطريقة الهنود في تكلم
العربية) ما هذا؟!
الابن الأكبر:
-
أمي قالت إن هذه
الأموال أموال زكاة وليست مجرد صدقة، إن كنت مسلما فخذها وإلا فأعدها..
أبو سلطان:
-
ألم تجد أمك أحدا آخر
تعطه هذه الأموال؟!
الابن الأكبر:
-
لقد تأخرت عن دفعها وهي
خائفة من الله وتريد أن تسرع بتسديدها حتى ترتاح.. (يصمت قليلا متأملا أبا
سلطان) هل أنت مسلم؟
أبو سلطان:
-
(متأثرا يقول) نعم.. مسلم
(ولكن تأثره يكون أكثر مما تصور فتدمع عيناه)
الابن الأكبر:
-
(يتأمل الدموع تنزل من
عيني أبي سلطان فيسأله) تبكي؟!..
أبو سلطان:
-
(يحرك رأسه بالإيجاب)
الابن الأكبر:
-
لا تريد المال؟!
أبو سلطان:
-
(متأثرا..
لا ينبس بكلمة)
الابن الأكبر:
-
(ينظر
مليا إلى أبي سلطان ثم ينصرف ويتبعه إخوته)
بعد أن يقطع الإخوة السبعة المسافة
الفاصلة، يصلون عند أمهم.
الابن الأكبر:
-
يقف أمام أمه ويبقى
يحدثها مليا وهو ينظر من حين لآخر جهة أبي سلطان)
الأم المنقبة:
-
(نراها من بعيد، تستمع
إلى ابنها باهتمام ثم يبدو أنها تأثرت فتمسح دموعها بطرف كمها. بعدها تأخذ صغيرها
في حضنها وتمضي في حال سبيلها وأبناءها يتبعونها)
أبو سلطان:
-
(ينظر إليهم من بعيد
ذاهبين ودموعه تنزل)
الأم المنقبة وأبناءها:
-
(نرى
من موقع أبي سلطان الأم تمشي مهرولة، وكأنها تخففت من أمر كان يثقل كاهلها، ووراءها
أطفالها الثمانية يركضون في اتجاه بوابة الحديقة)
(انتهت)
© كل الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
(mohsenhedili2@gmail.com)
© كل الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
(mohsenhedili2@gmail.com)
تعليقات
إرسال تعليق