سيناريو فيلم قصير: "حياة أرملة"



سيناريو فيلم قصير: "حياة أرملة"
بقلم: محسن الهذيلي
(ملاحظة: الحوار باللهجة التونسية)
1-   الرحيبة (القيروان)/ خارجي/ نهار
سيارة الإسعاف تشق كامل الرحيبة قادمة من حومة السيد متجهة نحو الرحبة عبر الطرق المتعرجة مع صخب السيارة والطريق...
2-   الرحبة (القيروان)/ خارجي/ نهار
السائق، الممرض (إلى الأمام مع السائق)، الممرضة وبنت المريضة (إلى الخلف)
سيارة الإسعاف تشق طريقها بين المنتصبين أمام محلات الرحبة الشعبية ضمن ضيق الطريق، السيارة قادمة من جهة جامع الرحبة في اتجاه باب تونس وسط صخب السيارة والمكان والناس. وهنا نعيش مع السيارة كثيرا من الحذر والتوجيه من لدن الممرض والمارة والباعة حتى لا تصدم إحدى عربات أو طاولات المنتصبين. الممرضة وبنت المريضة في الخلف يمكننا أن نراهما من أعلى النوافذ. بعض المارة يتطلعون إليهما.
3-   باب تونس/ خارجي/ نهارا
تدخل سيارة الاسعاف المدينة العتيقة داخل الأسوار بعد أن كانت في "الربط"، تدخل من باب تونس.
4-   السوق/ خارجي/ نهار
تقطع سيارة الاسعاف كل سوق القيروان قادمة من باب تونس في اتجاه باب الجلادين
5-   مدخل نهج سيد عبيد الغرياني/ خارجي/ نهار
في سوق المدينة على مستوى مدخل نهج سيدي عبيد الغرياني، تنحرف السيارة داخلة إلى النهج ليس دون حذر.
6-   نهج سيدي عبيد الغرياني/ خارجي/ نهار
تقطع سيارة الاسعاف نهج سيدي عبيد الغرياني وتمر بالطبع أمام مبناه المتميز، في الأثناء عندما تمر حذو بعض المترجلين نراهم يلتصقون بالجدران وظهورهم إليها حتى يفسحوا المجال لعبور السيارة.
7-   مدخل الصدادمة/ خارجي/ نهار
السائق، الممرض
تمر سيارة الاسعاف من نهج سيدي عبيد الغرياني إلى الصدادمة ليس دون ضيق وصعوبة ومع حذر سائق السيارة والممرض بجانبه
8-   الصدادمة/ خارجي/ نهار
تشق سيارة الاسعاف ليس دون حذر الصدادمة على خلفية جدران دور صدام ونقرة ثم تصل عند "الصباط" الذي يأخذ إلى ساحة بوراس.
9-   صباط ساحة بوراس/ خارجي/ نهار
سائق السيارة، الممرض
يتم عبور السيارة من الصباط ليس دون عناء ولكن لا يضطر الممرض للنزول لتوجيه السائق
10-                      ساحة بوراس/ خارجي/ نهار
السائق، الممرض
عبور ساحة بوراس، وبالطبع على خلفية دار بوراس وواجهتها المميزة
                                                الممرض:
-         (متضايقا) تعرفها الدار...؟!
السائق:
-         (محركا رأسه بالإيجاب ومنتبها من خلال المرايا إلى الجدران من حوله) مِشِي حَتَّى دَارْ.. عْلِيْ...
الممرض:
-         خي دارها مشي في حومة السيد؟!
السائق:
-         لاه ما عندها كان في حومة السيد...؟! لاباس عليها.. أما تحب تموت في العلي اللي عرست فيه... راجلها عاشت معاه كان ثلاثة سنين ومات، جابت منو هاك البنية ووليد آخر لاباس عليه برشة يعيش في تونس...
11-                      أمام دار الزوابي/ خارجي/ نهار
السائق، الممرض،الممرضة، البنت، بعض المارة
عند المنعطف الضيق أمام دار الزوابي، تمر سيارة الاسعاف بصعوبة، في هذا المكان ينزل الممرض لتوجيه السائق إلى جانب بعض المارة أيضا، لا نرى سوق السكاجين عند تصوير هذا المشهد، لأننا سوف نرجع إليه
12-                      حي الجرابة/ خارجي/ نهار
السائق، الممرض
تمضي السيارة عبر حومة الجرابة وتمر بجانب "جامع ثلاثة بيبان"
قطع
13-                      سوق المداسين/ خارجي/ نهار
السائق، الممرض، الممرضة، المريضة (حبيبة)، البنت (خديجة)
آخر محطة سيارة الاسعاف مرورها بسوق المداسين ووقوفها عند الصباط أمام دار البليش. وينزل السائق والممرض ويفتحا الباب الخلفي حيث نجد الممرضة والمريضة وابنتها، تبلغ المريضة من العمر زهاء الخامسة والستين، ابنتها في الأربعينات، المريضة مصابة بشلل كلي. يشارك السائق في انزال سرير المريضة ويقوم بمساعدة الممرض بإدخالها من باب الدريبة..
14-                      دريبة دار البليش/ داخلي/ نهار
السائق، الممرض، الممرضة، المريضة (حبيبة)، البنت (خديجة)
                                                البنت (خديجة)
-         (تتقدم الركب ومتعجلة تفتح دفة باب العلوي بالمفتاح ثم تعالج الدفة الثانية وبعد محاولات تفتحها بعد أن تنزل العمود الذي يحدث صوتا)
يحمل السائق سرير المريضة متعاونا مع الممرض
                                                السائق:
-         (ينظر إلى الباب) زعمة يتعدى...؟! (يحاول فلا يفلح) ما يتعداش.. (يحاول ثانية) أكاهو.. (مخاطبا الممرض) هز ايديك...
يدخل السائق والممرض بسرير المريضة من باب العلوي ويختفيا ثم نسمع السائق
                                                السائق:
-         أرجع.. سايس...
يظهر الممرض والسرير ثم السائق ويخرجا إلى الدريبة ثانية
                                                السائق:
-         (مخاطبا الممرض) هبِّط... (مخاطبا البنت ومستعملا يديه في الوصف) ثمة دورة ذويقة ما تخليش السرير يتعدى... (وهو ينظر إلى المريضة مفكرا ثم ينظر إلى البنت) ما ثمة كان حل واحد...
البنت:
-         (تنظر إلى السائق مستفسرة)
السائق:
-         نطلعها في يديا...
البنت:
-         (خائفة) زعمة...؟!
السائق:
-         (ينظر إلى المريضة وتبدو نحيلة ثم ينقض عليها يحملها بين يديه ويبدأ يصعد بها الدرج محاولا ألا تصطدم بطرفي الباب)
البنت (خديجة)
-         (تمشي وراءه حتى تبقي على أمها مستورة ورغم ذلك فقد سقط طرف الغطاء فمشى عليه السائق فتعطل وكاد يتعثر)
السائق:
-         (صارخا) الملحفة... الملحفة...
البنت:
-         (مرعوبة، تسحب طرف الغطاء مضطربة)
يختفي الجميع من خلال باب العلوي ونسمع السائق من بعيد وقد انتهى إلى فضاء العلوي يسأل البنت
                                                السائق:
-         وينو الفرش؟!
البنت:
-         مقابل الشباك...
يمر بعض الوقت دون هرج كبير ويظهر السائق والممرضة والممرض ثم البنت.
                                                البنت:
-         (تنادي السائق باسمه) سي عبد السلام.. (تعطه ورقة من عشرين دينار وهي تنظر إلى الممرضة والممرض) خوذو بيها حاجة...
السائق (عبد السلام)
-         (يأخذ الورقة النقدية ثم يهمس إلى البنت) هي توا مرا مريضة (وبحركة من وجهه قاصد بها إنها ميتة) كيفاش مش يطلعولها النعش؟!
البنت:
-         (متأثرة) نتلزو نعملو كيما عملنا توا... (وهي تنظر إلى باب الدار المفتوح في الدريبة) ونخرجوها من دارها... (ثم تسأل السائق مستغربة) باب الدار هاو محلول آش كون فيها؟!
السائق:
-         مرا مزمرة عندها وليد يتيم تخدم عليه... سكنها عمك حمدة... (يسمع بوق سيارة في الخارج، يلتفت جهة الباب فيتعجل) أيا يرحم الباي احمد...
البنت (خديجة)
-         (تلاحق السائق بنظرها حتى إذا اختفى تمشي نحو الباب المفتوح للدار وتسترق النظر خلال السقيفة)
15-                      سقيفة دار البليش/ داخلي/ نهار
نرى في ركن من السقيفة كدسا من حزم البقدونس.
16-                      دريبة دار البليش/ داخلي/ نهار
البنت (خديجة)
وهي تسترق النظر تسمع صوتا قادما، فتقفز وتجري نحو باب العلوي، تدخل وتغلقه...
17-                      غرفة العلوي (فضاء فيه شباك يطل على فناء تحتاني)/ داخلي/ نهار
البنت (خديجة)، الأم المريضة (حبيبة)، الجارة (بالصوت)
                                                البنت:
-         (تدخل مسرعة إلى الغرفة متجهة نحو النافذة وهي تفتحها، تلتفت اتجاه أمها وتقول همسا) قلك الدار ساكنة فيها مرا مرملة مع ولدها... وكايني تبيع في السوق... شفت ربط المعدنوس في السقيفة... (تفتح الشباك وتسترق النظر إلى تحت، ثم تريد أن تغلق الشباك من جديد)
الأم المريضة:
-         أوممممممممممممممم...
البنت:
-         (مستغربة وهي تلقي النظر إتجاه النافذة تقول همسا) تحبو محلول؟! (تترك الشباك مفتوحا) خلي البيت تتهوى... (وهي تنصرف) بربي خليني نشوفهم كيفاش نظفوه لَعْلِيْ... (تتوقف عند مستوى رأس أمها، تمضي نحو طاولة، تأخذ حقيبة يدها تفتحها، تخرج حزمة من الأوراق النقدية، تضعها تحت مخدة أمها) ولدك قلي خليهم تحت راس أمي تحتاجلهمش... (تبتسم) قتلو تحتاجلهمش؟! (وقد قصدت كيف لها ذلك وهي في تلك الحالة ثم مصلحة خطأها تقول) هاني معاها... (بعد هذا تنصرف) 
الأم المريضة:
-         (وهي على ظهرها وعليها غطاء أبيض، تنظر أمامها نظرة المحتضرين)
في صمت ننظر في اتجاه النافذة المفتوحة أمام فراش المريضة ونبدأ نقترب منها، فجأة نسمع صوت صياح وخبط على الفخذين باليدين كالذي نسمعه عادة عندما يموت شخص، نظن أنها الفتات تصيح على موت أمها ونسمع خطوات أقدام البنت. في نفس الوقت الذي تصل فيه البنت عند النافذة نستمع إلى صوت قادم من أسفل
                                                الجارة:
-         أووووه... أووووه.... أوووه... القطوسة خراتلي في الحلالم...
البنت:
-         (تغلق النافذة)
                                                الأم:
-         أوهههه....
البنت:
-         (تنظر إلى أمها ثم إلى النافذة)
قطع.
18-                      غرفة العلوي/ داخلي/ نهار (مغرب)
الأم (المريضة)، الجارة (بالصوت فقط)، ولد الجارة في السابعة من العمر (بالصوت فقط)، البنت
على خلفية هادئة، وقد بدأ فضاء الغرفة يتحول مظلما، نلاحظ أن نافذة الغرفة مفتوحة ونرى المريضة منتبهة وغير نائمة، ثم نبدأ نسمع حوارا يجري تحت في البيت بين الجارة وابنها.
                                                الابن:
-         ماك قلت ما عندكش فلوس؟!
الأم:
-         هاذوكم فلوس السلعة... قتلك الصباط نشريهولك في العيد...
الابن:
-         مشو صباط...
الأم:
-         آش نوا زادة؟!
الابن:
-         سبادري كيما متاع عادل...
الأم:
-         واشكونو هذا عادل...؟!
الابن:
-         صاحبي في المدرسة...
بعد صمت نسمع فيه تنفس المريضة وتحريكها رأسها واهتمامها بالحوار
                                                الابن:
-         ووقتاش العيد؟
الأم:
-         حتى يجيء رمضان...
الابن:
-         ووقتاش يجيء رمضان...
الأم:
-         ثلاثة شهور أخرينا...
الابن:
-         (متباكيا) وعلاش؟!... نستنى ثلاثة شهور...؟!
الأم:
-         آش تحبني نعملك...
الابن:
-         (بعد صمت) أمي... أمي...
الأم:
-         (بعد صمت) أنعم... آش تحب...
الابن:
-         وبابا مش يجيء في العيد...؟
الأم:
-         (وقد ضاقت به ضرعا) بوك في الجبانة... ما عادش يجيء...
الابن:
-         مالا شبيه بو عادل يعيش معاهم في الدار؟
الأم:
-         (أكثر ضجرا وصارخة) كمل درسك واسكت...
وهنا نرى أن المريضة تدمع ثم تبدأ تحرك رأسها، قليلا قليلا تبعد المخدة ثم بفمها تقبض على حزمة من الأوراق النقدية ثم تبدأ تحاول التحرك وإذا بها تسقط من فوق السرير، مدة من الهدوء وتعاود السعي وتبدأ تزحف على بطنها والأوراق النقدية في فمها، بعد استبسال وصوت تنفس محرج تصل عند النافذة ومن خلال شباكها الحديدي الذي يصل حتى الأرض تجعل شفتيها خلاله تدفل الأوراق النقدية إلى تحت، بعدها تلقي برأسها على الأرض وتخلد إلى الراحة، ويسود الصمت التام بعد غلبة صوت أنفاس المريضة.
قليلا ونسمع صوت باب العلوي يفتح ونستمع لخطوات البنت.
                                                البنت:
-         (تنتبه إلى أمها على بطنها عند الشباك فتصيح) أمي...
قطع
19-                      غرفة العلوي/ داخلي/ ليلا
الأم (المريضة)، البنت
نرى على غير العادة أن البنت قد فرشت لأمها على الأرض عند الشباك
                                                البنت:
-         (وهي تقبل وفي يدها طبق فيه شربة وتجلس عند رأس أمها، تمسح على وجهها) هاك مشك حابة نجيبلك مرا تقعد بحذاك في النهار... (وهي تطعمها) حقة ولدك منذر جاي نهار السبت...
الأم:
-         (تستمع إلى حديث ابنتها باهتمام)
الابن تحت (بالصوت فقط):
-         (كأنه قادم من الخارج) أمي... أمي... الراجل متاع الفول البرة...
الأم:
-         (تفتح عينيها وتبدو مهتمة بما يجري تحت ولا تعود تستمع لكلام ابنتها)
قطع.
20-                      غرفة العلوي/ داخلي/ نهار
المريضة، الجارة (بالصوت)، الابن (بالصوت)
المريضة مغلقة العينين نائمة وعندما تسمع صوت الابن تحت تفتحهما
                                                الابن:
-         (فرحا) أمي... أمي... لشكون ها السبادري؟
الأم:
-         ليلك...
الابن:
-         علاش العيد جاء...
الأم:
-         مازال...
الابن:
-         هذا هاو خير من متاع عادل... (بعد صمت) منين شريتو... (بعد صمت) مشك قلت ما عندكش فلوس؟!
الأم:
-         الفلوس جات من عند ربي...
الابن:
-         (بعد صمت) وربي ما ينجمش يعطيك فلوس باش تشريلي محفظة؟! علاش كان آنا في القسم بصاك بلاستيك...؟!
الأم:
-         ربي كريم...
المريضة:
-         (متأثرة ولأول مرة نراها تبتسم مع الدموع)
21-                      غرفة العلوي/ داخلي/ نهار
الأم (المريضة)، البنت، الابن (منذر وهو رجل تبدو عليه وعلى زوجته وأولادهما علامات الثراء)، زوجة منذر، ثلاثة أبناء لمنذر، ثلاثة أبناء من أعمار مختلفة للبنت خديجة.
يجتمع الجميع في الغرفة الصغيرة للعلوي وهم تسعة أنفار فيملؤونها تماما فتبدو مختلفة في هذا المشهد. ونرى الأشخاص بعضهم على الكراسي وبعضهم على الفراش والصغار منهم منتشرون خلال الغرفة يلعبون أو يتحادثون. الأم المريضة لم تبرح مكانها على الأرض عند الشباك
                                                الابن (منذر) وهو جالس على كرسي:
-         (مخاطبا أخته خديجة ومشيرا إلى أمه) علاش ع القعة؟!
البنت (خديجة)
-         حبت ع الشباك...
الابن (منذر):
-         (ينظر إلى أمه فينشرح صدره)
الأم:
-         (تبدر منها ابتسامة واضحة)
الابن (منذر)
-         (مستبشرا) هاي تضحك...
الزوجة:
-         ضحكتها متاع العادة...
الأم:
-         يعيشكم... (تنطقها مع بعض التكسير)
الزوجة:
-         يا... تتكلم...
الأم (المريضة)
-         (تبتسم)
من المفاجئة يقبل أغلب الأبناء وخاصة الكبار منهم وينظرون إلى جدتهم سعيدين
                                                أكبر الأطفال فتاة في الثانية عشرة:
-         (تنتبه إلى أن جدتها تحرك أصابع يدها ومشيرة إليها) تحرك صوابعها...
الابن:
-         (وقد كان جالسا على كرسي، يجثو على ركبتيه عند رأس أمه ويأخذ يدها التي تحرك أصابعها ويقبلها، وهو يتأملها يرى جرحا قديما في سبابتها ومخاطبا زوجته يقول) لمياء... شفتو ها الجرح... وهي تخدم علينا لعقاب الليل غلبها النوم ومشّات عليه ابرة المكينة...
الأم (المريضة)
-         (تبتسم سعيدة)
يفرح الجميع وينظرون إلى بعضهم بعضا..
قطع
22-                      غرفة العلوي/ داخلي/ نهار
الأم (المريضة)، الأم (تحت)
تتسلل أشعة الشمس داخل العلوي من خلال النافذة، نستمع إلى أم الطفل تحت تغني بصوت رقيق "قصة الجمل" الذي أنقذه الرسول من الذبح. ونرى الأم (المريضة) تجلس قريبا من الشباك على كرسي وتتغطى بشال جميل، وهو ما يعني أنها تتعافى جيدا...
(انتهت)
© جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
mohsenhedili2@gmail.com

تعليقات