قصة للأطفال: "هل يمكنني أن أطير؟" ياسين يشتري كتابه بنفسه



قصة للأطفال:
"هل يمكنني أن أطير؟"
ياسين يشتري كتابه بنفسه

بقلم: محسن الهذيلي
قصة استوحيتها من تصرف زوجتي مع ابنتنا
طلبت مني أمي، كعادتها، كتابة ملخص القصة التي اشتريتها البارحة. وقالت إنها ستنشر الملخص في موقع الكتروني خاص بكتب الأطفال. لا أذكر الآن اسم الموقع، ولكنني عندما أنشر ملخصي فيه سوف أحفظ اسمه. وذلك كي أخبر به أصدقائي فيذهبوا يقرؤونه. ومعلمي، عندما يعلم من أصدقائي في المدرسة، سوف يزور بدوره الموقع الذي لا أذكر اسمه وسيقرأ ملخصي، لابد أنه سوف يحدثني بعد ذلك عن بعض الأخطاء النحوية أو اللغوية التي وردت في المقال، هذا رغم أنني مطمئن إلى أنه لن يجد شيئا منها. فأمي قوية جدا في اللغة العربية وهي تقوم دائما بتصحيح ملخصاتي.
فمنذ بلغت السادسة، وأمي تطلب مني أن أكتب عن القصص التي أقرأها. لذا فإن هذا الملخص ليس الأول من نوعه، فأنا قرأت كثيرا من القصص وكتبت ملخصات لأغلبها.
في أول ملخص كتبته، وكان عمري خمس سنين وإحدى عشر شهرا، أي شهرا واحدا قبل أن أبلغ السادسة، بقيت كامل اليوم، وكان يوم عطلة، أنظر إلى الورقة والورقة تنظر إلي. كنت واعيا أنني لن أكتب حرفا واحدا، ولكن أمي كانت مصرة أن أبقى في غرفتي وأمام طاولتي. فإما أن أكتب وإما أن أبقى كذلك حتى آخر النهار. في البداية ظننتها طريقة جديدة في معاقبتي. ولكن أمي كانت تعلمني أصول الكتابة...
آخر اليوم، قالت أمي: "لم تكتب شيئا لأنك لم تفهم القصة ". قلت: "بل فهمتها جيدا"، قالت: "أكتب إذن ملخصها"، قلت: "لا أستطيع". حينئذ جلست أمي بجانبي وعلمتني "السر الأول" في الكتابة. قالت لي: "أكتب كما تتكلم".
كان سرا عجيبا جعلني أتحدث لأول مرة على الورقة. ودون أن أشعر كتبت عدة ورقات، وجها وظهرا.
واحتفظت أمي بالورقات المكتوبة في خزانتها، وقد أريتها أصدقائي لأنهم لم يصدقوني.
في الملخصات التي بعدها علمتني أمي أسرارا أخرى، ففي كل ملخص وبعد أن أنتهي من الكتابة الأولى، وتكون غالبا في عدة صفحات، أقوم بقراءتها وإعادة قراءتها لأحذف المكرر فيها. بعدها أحاول أن أبقي منها على ما يمكن أن تحويه صفحة واحدة. وأتخلص، في هذه المرحلة، عادة، من الجمل التي بها مشاكل لغوية.
عندما أنتهي من ذلك، تطلب مني أمي أن أعيد قراءة ما كتبت وأن أضيف عليه أشياء لم أذكرها حتى الآن، وأن يكون ذلك في جملتين أو ثلاثة.
عندما أعيد القراءة ثانية، أجد دائما أنني لم أتطرق إلى أهم الأشياء في القصة، فأذكرها باختصار وأعطي الورقة لأمي فتقوم بتصحيحها.
وكم أحب قراءة ملخصي بعد أن تصححه أمي، أجده شديد الشبه بالنصوص التي نقرأها في كتاب القراءة.
أول مرة حدث ذلك شعرت بسعادة كبيرة. خرجت، وكان الليل قد هبط، وقرأت الورقة أمام البيت في الظلام. كنت أريد من أصدقائي أن يعلموا، وكان كلما مر أحدهم وسألني كيف أستطيع أن أقرأ في الظلام، أخبرته أن النص لي وقرأته عليه.
لقد قرأت في تلك الليلة، ما كتبت، أكثر من عشرين مرة. كان النوم يأخذني بعيدا حتى أبدأ أرى الكلمات والحروف خارج الورقة. أمي قالت إنني كنت أقرأ في الفراغ على يمين الورقة أو شمالها، ولكنها قالت أيضا إنني عندما غلبني النعاس، نمت ورأسي على الورقة.
الملخص الذي أكتبه الآن مختلف عن ذلك الملخص الأول، فبينهما ملخصات عديدة أعجبت أمي، فأنا إذن مطمئن إلى قيمة ما أكتب.
ويتميز ملخصي هذا بكونه ملخص أول قصة أشتريها بنفسي.
في البداية كانت أمي هي التي تشتري لنا، أنا وإخوتي، الكتب، ولكنها في معرض الكتاب هذه السنة أعطتني المال وبقيت تراقبني من بعيد.
لم يكن الأمر سهلا، ولكنه كان رغم ذلك ممتعا. وطريقتي في اختيار الكتاب لم تتغير عن طريقتي وأنا صغير. فرغم أنني كبرت، حيث بلغت في شهر أبريل الأخير تسع سنين، فإنني عندما أريد أن أقرأ كتابا أنظر إلى صوره، فإن أعجبتني فرحت به وقرأته وإن لم تعجبني تركته.
كان معرض الكتاب كبيرا ولكن دور نشر الأطفال كانت مجتمعة كلها في قاعة واحدة، فسهل علي زيارتها كلها دون استثناء.
كنت في البداية أفتح الكتب أتصفحها بسرعة وأنظر في صورها، ولكنها لم تكن طريقة ناجعة لاختيار كتابي الوحيد، وهي إلى ذلك تأخذ مني وقتا طويلا. قررت في النهاية أن أختار كتابي الذي أشتريه بنفسي، حسب صورة الغلاف وعنوانه فحسب.
لست متأكدا أي شيء جذبني أكثر في الكتاب الذي اخترته، هل هي صورة الغلاف أم عنوانه. كانت الصورة عبارة عن عصفور صغير في عش فوق شجرة كثيفة الأوراق. وكان العصفور الصغير يتأمل عصافير أخرى صغيرة تطير من حوله فيتساءل: (وهذا هو عنوان الكتاب) "هل يمكنني أن أطير؟".
عندما رأيت الكتاب انجذبت بقوة إلى صورته وعنوانه، ورغم ذلك فقد تريثت لأنني اعتقدت أنه لفئة عمرية تصغرني. ولكنني عندما سألت البائع قال إنه لمن سنهم في التاسعة إلى ما فوق. سعدت وسألته عن سعره واشتريته.
من عادتي أن أقرأ أغلب القصص التي تشتريها لي أمي في السيارة ونحن عائدون إلى البيت، ذلك اليوم بقيت أنظر إلى غلاف الكتاب وصورته وعنوانه وأفكر في قصته كيف تكون. ولأنني كنت مستغربا من ذلك العصفور سؤاله، فقد سألت أمي وإخوتي: "ماذا يعني أن يسأل عصفور إن كان يمكنه أن يطير؟ هل يمكن لعصفور أن يشك للحظة في قدرته على الطيران؟!". كان جواب إخوتي شحيحا ولم يعجبني، قالوا كلهم: "اقرأ القصة وسوف تعرف"، كان واضحا أنهم منشغلون كلهم بكتبهم الجديدة، وحتى أحاول شد انتباههم قلت بصوت مسموع: "إنني لن أقرأ هذا الكتاب قبل أن أكتشف قصته من غلافه".
رفع الكل رؤوسهم وقالوا: "كيف يمكنك أن تتعرف على قصة كتاب لم تقرأه؟!"، قلت: "سأتخيلها..."، قالوا: "ولكنها لن تكون قصة الكتاب على كل حال"، قلت لهم: "ومن قال لكم أنني أحب أن أقرأ قصة الكتاب...؟"، قال أحدهم: "وكيف تكتب الملخص لأمي؟!"، قلت: "سوف أكتب لها ملخص القصة التي تخيلتها من مشاهدتي للغلاف". قال آخر: "إذن ما الفائدة من شراءك للكتاب، كان يمكنك أن تكتب ملخص قصتك دون أن تشتريه؟!"، قلت: "لقد اخترت هذا الكتاب لأن صورة غلافه وعنوانه أعجباني كثيرا وأنا خائف أن أقرأه فلا تكون قصته جميلة جدا مثل غلافه وعنوانه ". لم يعلق أي من اخوتي على كلامي فتركتهم يقرؤون ونظرت إلى غلاف كتابي أتأمل صورته وعنوانه سعيدا.
الآن وحتى لا أتجاوز عدد الصفحات المطلوبة، سوف ألخص لكم قصة ذلك العصفور الصغير الذي يسأل إن كان يمكنه الطيران. وذلك من خلال غلاف الكتاب فقط.
فمن غلاف الكتاب نفهم أن العصفور الصغير الذي يجلس هادئا في عشه، يعيش بلا أبوين، فصاحب القصة لم يرينهما على غلاف كتابه، ولو كانا موجودين لما كان العصفور الصغير خائفا هكذا فاقدا لثقته بنفسه، ولعرف الجواب على سؤاله ولما سأل عن الطيران العصافير الصغيرة المحلقة، ذلك أن الأبوين يضعان الأمان في قلوب أبنائهما ويعطيانهم الثقة في أنفسهم ويعلمانهم أسرار الأشياء.
إذن العصفور الصغير يعيش وحده في العش. ونتساءل هنا كيف أمكنه العيش وحده؟ كيف كان يأكل وكيف كان يشرب، ومن الذي حماه حتى كبر واكتسى ريشه؟ ولكننا لا نستطيع أن نجيب على هذا السؤال لأن كاتب القصة لم يخبرنا عن شيء منه على غلاف كتابه، وذلك، بالتأكيد، لأنه غير مهم جدا بالنسبة لبقية القصة.
إذن عاش العصفور الصغير، بدون أبوين، في عشه، ولم يبرحه حتى كبر. ولأسباب لا يذكرها كاتب القصة على غلاف كتابه، لأنها ليست مهمة بالتأكيد، فإن هذا العصفور الصغير لم يقابل طيلة حياته عصافير تطير. وفجأة وفي يوم من الأيام ظهرت تلك العصافير الصغيرة الطائرة التي أرانها الكاتب على غلاف كتابه، فتعجب منها العصفور الصغير وسألها إن كان يستطيع أن يطير مثلها؟ ولكن العصافير لم تتكلم، لأن كاتب القصة لم يجعلها تتكلم على غلاف كتابه، لأنه يريدنا أن نفتح الكتاب ونقرأه.
ولكنني لن أفتح الكتاب فقط لأتعرف على نهاية قصته، فكل القصة كانت موجودة على الغلاف إلا النهاية، لذا فقد أخذت قلمي وأنطقت تلك العصافير الصغيرة الطائرة التي أرانها الكاتب على غلاف كتابه، وكتبت كرد لها على سؤال العصفور الصغير: "هل يمكنني أن أطير؟"، قالت: "انتفض وسوف تطير".
عندما قرأت أمي ملخصي هذا وتهجت الكلمة التي كتبتها على غلاف الكتاب، فرحت وعانقتني ثم قالت لي كلاما زاد من ثقتي بنفسي، قالت: "إن ما كتبت هو قصتك التي استوحيتها من غلاف أول كتاب اشتريته بنفسك". ووعدتني أن تنشر ما كتبت على الموقع الالكتروني...، لقد سمته لي ولكنني نسيته.  على كل حال إنها مسألة ليست مهمة جدا.

تعليقات