سيناريو فيلم قصير: "الأوتوستوب"



سيناريو فيلم قصير:
"الأوتوستوب"

بقلم: محسن الهذيلي
1-      على جانب الطريق/ خارجي/ نهار
سفيان، لطفي
سفيان شاب في العشرين من العمر، يلتحف لباسا شتويا ويحمل حقيبة ظهر وفي يده لوحة مكتوب عليها "تونس". وهو واقف على الطريق في منطقة بين "براكة الساحل" و"بوفيشة"، ولوحته في يده، يتعرض إلى السيارات الذاهبة في اتجاه العاصمة. مدة طويلة تمر ولا سيارة تقف بل تمر سريعة بحيث تدوي وتحرك بتيارها شعر الشاب الواقف على حافة الطريق.
ينزل سفيان اللوحة، يطرق، ينظر إلى ساعته متحيرا، يضرب بقدميه على الأرض، ينظر إلى الأفق أمامه وقد خيم الصمت بالمكان. فجأة ويدوي صوت سيارة تتوقف قريبا منه. يجري إليها سفيان. يُنزل صاحب السيارة (في الثلاثينات من العمر) زجاج النافذة من جهة اليمين ويسأل سفيان:
                                                                        لطفي:
-          أين تذهب؟
سفيان:
-          (يريه اللوحة) إلى العاصمة
لطفي:
-          (مفكرا) أنا ذاهب هناك، ولكن ليس الآن، إن كان معك وقت تمر معي إلى البيت (مشيرا بيده إلى مكان قريب) آخذ بعض الأغراض ونمضي...
سفيان:
-          (مبتسم وبنبرة هادئة ولكن راجية) المهم أن نصل إلى تونس قبل الخامسة...
لطفي:
-          (ينظر إلى ساعته) لا تخف لدينا الوقت الكافي...
سفيان:
-          (محركا رأسه بالايجاب، يركب السيارة بجانب السائق ويقول سعيدا) بارك الله فيك...
وتنطلق السيارة.
2-      السيارة (وهي تسير في الطريق)/ خارجي/ نهار
سفيان، لطفي
                                                                        لطفي:
-          (يمد يده مصافحا) اسمي لطفي
سفيان:
-          (مصافحا) اسمي سفيان
لطفي:
-          ابن من أنت؟
سفيان:
-          لا، لست من هنا... أنا من القيروان...
لطفي:
-          (مستغربا) من القيروان؟! كيف وصلت هنا؟! بالأوتوستوب؟!
سفيان:
-          (محركا رأسه بالايجاب ولا يجد الوقت ليتكلم لأن لطفي يسبقه إلى الكلام)
لطفي:
-          هل لا زال الناس يقفون حتى بعد الارهاب؟
سفيان:
-          لماذا أنت وقفت؟
لطفي:
-          أنا هنا في جهتي وظننتك من هنا... أما أن تذهب من القيروان إلى تونس عن طريق الأوتوستوب في هذه الظروف...!!!
سفيان:
-          (مقاطعا ومتجاوزا) على كل حال ليس عندي حل...
لطفي:
-          (متأملا ملابس سفيان) أنت طالب؟
سفيان:
-          (محركا رأسه بالايجاب)
لطفي:
-          إن لم تقدر على ركوب الحافلة؟ الأأمن لك أن تبقى في تونس...
سفيان:
-          ولكن علي أن أذهب إلى القيروان مرة في الأسبوع...
لطفي:
-          (متعجبا) وهل تذهب أسبوعيا عن طريق الأوتوستوب؟!
سفيان:
-          (يحرك رأسه بالايجاب)
لطفي:
-          أنت في عقلك؟!
سفيان:
-          (لا ينبس بكلمة وكأن طريقة حديث لطفي لم تعجبه)
لطفي:
-          (يتأمل سفيان ثم يغير نبرة حديثه ويكلمه بأكثر لطف) هل أحد والديك مريض لا سمح الله؟
سفيان:
-          الوالد متوفى والوالدة بصحة جيدة والحمد لله...
لطفي:
-          إذن تذهب لترى أمك وتأنسها...
سفيان:
-          نعم... ولكن ليس هذا ما يجبرني على أن أذهب كل أسبوع...
لطفي:
-          (مستغربا ولكن لا يجرأ على طرح سؤال آخر خوفا على مشاعر سفيان)
سفيان:
-          (لا ينتظر سؤالا جديدا) علي أن أزور جدي...
لطفي:
-          (بحذر وتردد) هل هو مريض؟
سفيان:
-          أبدا هو في صحة جيدة...
لطفي:
-          (وقد زاد فضوله ولم يقوى على عدم السؤال) لماذا أنت مجبر إذن على زيارته كل أسبوع؟!
سفيان:
-          لأن والدي أوصاني بذلك...
لطفي:
-          (مستغربا) هل كانت وصيته عند موته؟!
سفيان:
-          لا... كانت وصيته لي عندما كنت طفلا...
لطفي:
-          (وقد زاد استغرابه) عندما كنت طفلا؟!
سفيان:
-          كان يعمل بعيدا عن القيروان... في تونس...
لطفي:
-          (مقاطعا) مثلي...
سفيان:
-          (مكملا حديثه) وكان لا يمكنه أن يرى أباه بسبب عمله وكان يطلب مني أن أزور جدي مكانه...
لطفي:
-          وهل يبعد بيت جدك عن بيتكم؟
سفيان:
-          ليس كثيرا...
لطفي:
-          ولكن الآن بيت جدك يبعد عن بيتك أنت مائة وخمسين كيلومترا وليس لك المال لركوب الحافلة...
سفيان:
-          (سعيد وكأنه لم يسمع كلام لطفي) وكان والدي يترك لي بعض المال لأشتري هدية لجدي عندما أزوره... (وهو ينظر إلى جانب الطريق مبتسما)
3-      محل لبيع البرتقال بأنواعه/ خارجي/ نهار
نرى محلا على جانب الطريق يزين نصبته بمختلف أنواع القوارص من برتقال وليمون ومندرين وغيرها.
4-      السيارة على الطريق/ خارجي/ نهار
سفيان، لطفي
                                                                        سفيان:
-          (مبتسم وهو يتطلع إلى البرتقال) كنت أحب البرتقال كثيرا وكنت دائما ما أشتري في الشتاء لجدي شيئا منه... كان جدي صعب المزاج وكان والدي يقول لي الهدية تهدأ من روعه قليلا... ولكنه لم يكن يهدأ، كان يغضب وكان يقول في أبي كلاما لا يعجبني ولكن والدي كان يوصيني ألا أرد عليه وأن أسمعه وأنا صامت، وكان جدي بعد وقت من الكلام يصمت بدوره ويصبح رجلا طيبا.
لطفي:
-          وعندما يرجع من تونس هل كان يزوره؟
سفيان:
-          من؟!
لطفي:
-          والدك...!
سفيان:
-          (يبتسم) لقد كان يزوره كل أسبوع...
لطفي:
-          (متعجبا) ألم تقل إنه لا يستطيع؟!!!
سفيان:
-          (مبتسما) عندما كبرت عرفت أن والدي، لأنه يعمل بالنهار كامل الأسبوع، كان يأتي في الليل ونحن نيام يزورنا ويزور جدي ثم يرجع إلى عمله... قلت له إحدى المرات إنني أزور جدي مكانك فلماذا تتعب نفسك؟! فقال لي حتى أبر والدي وإنما أطلب منك أن تزور جدك حتى تتعلم بر الوالد، لذا عندما تكبر سوف تبرني... (حزينا) عندما توفي قررت أن لا أتوقف عن زيارة جدي كل أسبوع حتى أبره...
لطفي:
-          (متأثر، وهو يدلف بالسيارة إلى نهج فرعي) لقد وصلنا إلى بيتي، سوف آخذ بسرعة بعض الأغراض ونذهب إلى تونس...
5-      أمام بيت لطفي/ خارجي/ نهار
سفيان، لطفي
تتوقف السيارة أمام باب البيت.
                                                                        لطفي:
-          (وهو يفتح باب السيارة يرى سفيان يسترق النظر إلى ساعته) اطمئن سوف لن أتأخر...
سفيان:
-          (يحرك رأسه مطَمْئِنا ولا ينبس بكلمة)
لطفي:
-          (يخرج مفتاحا من جيبه ويفتح باب بيته ويدلف إلى الداخل)
سفيان:
-          (ينظر إلى لطفي حتى يدخل ثم يجول بنظره في نواحي المكان)
مدة من الزمن ويظهر لطفي وفي يده حقيبة متوسطة الحجم وحقيبة أخرى صغيرة لملابس طفل صغير، يرميها على الكراسي الخلفية للسيارة. وهو يرجع من حيث جاء، يقول:
                                                                        لطفي:
-          لحظة وأعود...
يغيب مدة قصيرة ثم يرجع وفي حضنه طفل في السنة الثانية من العمر تقريبا.
                                                                        لطفي:
-          (يركب السيارة وهو يمد لسفيان الصبي ويقول) كما ترى تغير برنامجنا قليلا هذا ابني محمد علي سوف نمر به إلى الحمامات نتركه هناك ونمضي إلى تونس، اطمئن لن يأخذ منا ذلك وقتا طويلا.
سفيان:
-          (يسترق النظر إلى ساعته ثم يحرك رأسه راضيا)
تغادر السيارة.
6-      السيارة (في الطريق)/ خارجي/ نهار
سفيان، لطفي، الصبي
                                                                        لطفي:
-          (وهو يقود السيارة ينظر إلى جانب الطريق ثم يبتسم لسفيان ويقول) سوف نتوقف للحظة...
سفيان:
-          (منقبض الوجه يلتفت إلى الجهة التي نظر إليها لطفي فينطلق وجهه ويبتسم بدوره)
7-      أمام محل لبيع كل أنواع البرتقال/ خارجي/ نهار
سفيان، لطفي، الصبي، البائع
يوقف لطفي السيارة قريبا من محل بيع البرتقال، ينزل بمفرده بينما يبقى سفيان في السيارة يمسك الصبي محمد علي. يمضي لطفي إلى محل البرتقال يتحدث مع البائع الذي يبدأ في وزن أكياس البرتقال له، بعدها يحمل لطفي والبائع الأكياس ويضعانها على الكراسي الخلفية في السيارة.
لطفي:
-          (يحيي بيده البائع، يركب السيارة ثم يمد يده إلى إحدى الأكياس في الخلف يقدمها إلى سفيان ويقول) فيها من كل أنواع البرتقال... أرجو أن تعجبك...
سفيان:
-          (سعيد ولكن محرج لأنه غير قادر على أخذ الكيس ووضعه في حقيبة الظهر التي عنده، رغم سعيه لذلك، بسبب أن الصبي في حجره...)
لطفي:
-          (ينتبه للأمر فيمد يده إلى حقيبة الظهر أمام سفيان، يفتحها يضع فيها كيس البرتقال ثم يغلقها ويعيدها مكانها)
سفيان:
-          (مبتسم) بارك الله فيك...
لطفي:
-          (سعيد) الآن لم يبقى إلا أن نضع محمد علي في "الحمامات" وننطلق إلى تونس...
سفيان:
-          (يبتسم موافق)
8-      عند البحر وسور الحمامات العتيقة/ خارجي/ نهار
تمر السيارة من هناك ثم تدلف إلى نهج ضيق غير بعيد عن المكان.
9-      النهج الضيق/ خارجي/ نهار
سفيان، لطفي، الصبي محمد علي، الفتاة الصغيرة
تدخل السيارة إلى آخر النهج وهو زقاق مغلق، تتوقف عند إحدى الأبواب النصف مفتوحة.
لطفي:
-          ينزل من السيارة بسرعة، يفتح الباب الخلفي، يخرج حقيبة الصبي وأكياس البرتقال، يفتح الباب لسفيان، يأخذ منه الصبي ويقول) أترك حقيبتك في السيارة وات معي... لن نبطئ...
في هذه اللحظة تطل فتاة صغيرة من وراء الباب ثم تنادي مخاطبة الداخل:
                                                                        الفتاة الصغيرة:
-          هذا عمي لطفي مع محمد علي ورجل آخر...
10-  داخل مجلس تقليدي/ داخلي/ نهار
سفيان، لطفي، الصبي، أبو لطفي (شيخ مسن)، أم لطفي (عجوز)، الفتاة الصغيرة
يجلس أبو لطفي على أريكة تقليدية مستطيلة قبالة باب المجلس وفي يده الصبي محمد علي، وطاولة واطئة أمامه، على يمينه وضع كرسيان جلس عليهما لطفي وسفيان، الفتاة الصغيرة تقف عند باب المجلس، الذي يفتح على فناء البيت، لا هي في الداخل ولا هي في الخارج، وهي تتأمل مرة عمها لطفي ومرة سفيان، ولا تبرح مكانها ذاك إلا عندما تدخل جدتها بالأشياء أو تخرج. وتتحرك الجدة بين الداخل والخارج آتية مرة بالقهوة ومرة بالفواكه الجافة ومرة ببعض الحلويات ومرة بالماء... وتقف أم لطفي بين ذلك تستمع إلى زوجها وهو يصرخ في وجه ابنه يلومه على قلة زياراته له. وتنجح الأم بين الحين والآخر في قول كلمة أو كلمتين للرد على زوجها والدفاع عن ابنها. ويبدو الصبي محمد علي وكأنه يستمع بدوره إلى جده. لطفي وسفيان مطرقان طيلة الوقت يستمعان لما يقال ولا أحد منهما ينبس بكلمة أو يرفع نظره.
                                                                        الأب:
-          الحمد لله أنك تذكرت أن لك أبا، منذ كم لم تأتي وتسأل عن أبيك؟! شهر أم شهران؟! هذا وتسكن هنا عند أنفي...
الأم:
-          (بلطف وهي تضع إحدى الأشياء على الطاولة أمام زوجها) ولكنه يعمل في تونس ولا يأتي إلا الأحد...
الأب:
-          (غاضبا وكأنه يخاطب زوجته) إخوته يسكنون في تونس ويأتون لزيارتي كل أسبوع...
الأم:
-          (تغادر المجلس لتتجنب صراخ زوجها ولتأتي بشيء آخر)
الأب:
-          (وهو ينظر إلى خارج المجلس مخاطبا زوجته) ولكن ابنك هذا قاطع... لا أعرف لمن جاءني... لقد كنت برا بوالدي...
الأم:
-          (وقد رجعت، تضع طبق "الكليمونتين" مقشرا على الطاولة ومخاطبة زوجها) هذا "الكليمونتين" جاء به لطفي لأنه يعرف أنك تحبه وهو حلو فعلا...
الأب:
-          (ينظر إلى الكليمونتين) لا أريده... (ومكملا حديثه) لقد نسيت حتى متى زارني آخر مرة...
الأم:
-          كانت قبل ثلاثة أسابيع...
الأب:
-          (غاضبا ومزمجرا) بل أكثر من شهر...
الأم:
-          (محذرة زوجها ومشيرة برأسها إلى سفيان) سي محمد... على مهلك الطفل في حجرك...
الأب:
-          (يسكت، ينظر إلى سفيان ثم إلى الصبي)
الصبي:
-          (يداعب بيده وجه جده)
الأب:
-          (مغيرا الموضوع فجأة، يبتسم للصبي ومداعبا له بدوره يقول) وأنت ما اسمك؟
الصبي:
-          (يبتسم)
الأب:
أنت اسمك محمد علي..؟ على اسم جدك..؟ (يقبله ثم يأخذ برج كليمونتين صغير ويطعمه منه ويحاول مساعدته على مسكه)
وقد ساد الهدوء تماما، يرفع لطفي وسفيان رأسيهما بعد أن كانا مطرقين وينظران إلى حجم التحول الذي حصل فيريان الشيخ يداعب الصبي محمد علي وكأن شيئا لم يكن. بعدها ينظر سفيان إلى ساعته ثم ينظر إلى لطفي مذكرا إياه بالوقت...
(انتهت)
© جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
mohsenhedili2@gmail.com

تعليقات