سيناريو فيلم قصير: رجل تحت المصباح





بقلم: محسن الهذيلي

1-    محل لبيع الأنتيكات/ داخلي/ ليلا

أحمد (صاحب المتجر وهو رجل أربعيني)

نتجول في البدء داخل المحل ونلاحظ أن به عديد التحف وقطع الآثار القديمة والقيمة، ومنها ما هو معروض بشكل واضح ومنها ما هو مكدس بشكل أقل اعتناء. ونحن نتجول ننتهي عند رجل منكب على مشكاة أو مصباح من النحاس نقشت عليه بعض الكلمات بشكل دقيق جدا. ويقوم الرجل (أحمد) بمحاولة فك سر ذلك الخط الدقيق بمكبر يمسكه بيده.

                                                          أحمد:

(يتأمل الكتابة المحفورة على الآنية النحاسية ثم يتهجى) لا... غالب... إلا الله... (ثم يتساءل مستغربا) غرناطة؟! (في هذه اللحظة يرن التلفون. يرفع أحمد سماعة التلفون) من معي... سعد؟ (...) نعم تفحصتها... يبدو أنها قطعة أندلسية من غرناطة. حسب اتقان نقوشها ربما تكون من زمن الحاجب المنصور (...) انتبه لست متأكدا تماما... (...) نعم، ولكن كما قلت لك لا أعرف كيف وصلت إلى هنا، جئت فوجدتها على الطاولة (...) علي أن أنصرف الآن (...) لا... العرس غدا، ألست مدعوا؟! (...) إن جئت فسوف نلتقي هناك (...) طبعا أحضر أليست العروس ابنة أخت زوجتي (...) (يبتسم) إنها لم تتوقف عن الشك، الغرام بالأنتيكات يسبب لي ازعاجا متزايدا... الشك لا ينقطع عن عقول النساء (...) أستأذنك الآن... سلام... (يعلق السماعة وينهض مسرعا، يطفئ أنوار المحل فيسقطه في الظلام الدامس ويغادر)

                                                         

2-    موقف السيارة/ خارجي/ ليلا

أحمد

                                                          أحمد:

-         (وهو يفتح باب سيارته، يرن تلفونه المحمول، يكمل فتح الباب، يركب السيارة، ثم يخرج محموله. وهو يرد على المكالمة ويشغل محرك السيارة ويغادر الموقف) أهلا نهلة (...) الآن غادرت المحل (...) لن أبطئ... مسافة الطريق (...) ولكنني لست منزعجا منك؟! (...) الشغل هذه الأيام... (...) نعم... قلت لك: أشعر أني غير راض على حياتي... (...) ولكن لا دخل لك في ذلك، على العكس (...) (يبتسم) نعم... قلت على العكس (...) أقصد أني أشعر بأنك الزوجة التي أحتاجها (...) لا... (...) المشكلة ربما تكون نفسية... (...) (يبتسم) أو وجودية... ربما... (...) نعم صحيح... عندي إحساس بأني غير راض على حياتي (...) ولكن النجاح والمال ليسا كل شيء (...) نهلة (...) نهلة أنا أقود السيارة الآن... (...) نلتقي بعد دقائق، سلام.

3-    الرصيف تحت مصباح عمومي/ خارجي/ ليلا

 الشيخ الغريب

يقف فوق الرصيف تحت المصباح العمومي شيخ يضع ملابس من زمن قديم، وهو الزمن الأندلسي بالتحديد، ويتميز الرجل بأناقة وبهاء عجيبين، وهو يرفع يده من أجل الوقوف له. ورغم ظلام الليل فإن للرجل حضورا وبهاء لا يدع أحمد المشتغل في الأنتيكات يتردد في الوقوف له.

4-    سيارة أحمد/ خارجي/ ليلا

أحمد، الشيخ الغريب

أحمد:

-         (يتمتم) ما هذه الظاهرة؟! إن ملابسه تأتينا من الزمن الأندلسي!!! (يتوقف بالسيارة ويومئ إلى الرجل أن يركب)

الرجل الغريب:

-         (يفتح باب السيارة، يركب بتؤدة ثم يعيد غلق الباب) السلام عليكم ورحمة الله يا بني... هل يمكنك أخذي في طريقك؟

أحمد:

-         طبعا... ولكن إلى أين أنت ذاهب؟!

الرجل الغريب:

-         ضعني عند أي مخرج من مخارج المدينة، المهم أن أتحدث إليك...

أحمد:

-         تتحدث إلي؟! عن ماذا؟!

الرجل الغريب:

-         غادر بنا أولا...

أحمد:

-         (ينطلق بسيارته)

الرجل الغريب:

-         (يخرج كيسا صغيرا ويفرغه في كفه وإذا بها نقود ذهبية من زمن قديم)

أحمد:

-         (يتأمل الذهب ثم وجه الرجل) هذه نقود ذهبية!!!

الرجل الغريب:

-         من زمن غرناطة...

أحمد:

-         تريد أن تبيعها؟! فربما قيل لك أني أعمل في الأنتيكات!!! ولكنني لا أعمل في الذهب...

الرجل الغريب:

-         لا أريدك أن تشتريها... أريدك أن تبيعها لي، هي أموال الصدقة، لذا هي ليست لي... كنت أجيء نهارا فأضعها في دولاب أحد الصاغة هنا في السوق، وفي المقابل آخذ من المال ما أراه مناسبا وأنصرف...

أحمد:

-         ولماذا لم تفعل ذلك هذه المرة؟!

الرجل الغريب:

-         وجدت نفسي مرئيا...

أحمد:

-         ماذا...؟!

الرجل الغريب:

-         لم يكن أحد يراني عندما كنت أجيء في الماضي، هذه المرة اكتشفت أن كل الناس يرونني فكانوا يتطلعون إلي، لذا لم أستطع فعل شيء، والصائغ الذي أمكنني مقابلته أعطاني سعرا بخسا...

أحمد:

-         من هو؟!

الرجل الغريب:

-         لا أعرف اسمه...

أحمد:

-         ولماذا لم تذهب لغيره؟!

الرجل الغريب:

-         ذهبت لواحد غيره ولكنه عندما رأى ملابسي ورأى الدراهم الذهبية في يدي خاف ونهرني...

أحمد:

-         (متأملا الرجل ومستغربا وربما متفهما التاجر الثاني) ولكنني لا أستطيع مساعدتك، فأنا كما قلت لك لا أعمل في الذهب...

الرجل الغريب:

-         ربما يمكنك أن تبيعها لأحد أصدقائك من الصاغة في السوق...

أحمد:

-         ولكنني لا أثق في أحد منهم...

الرجل الغريب:

-         وأنا أثق بك...

أحمد:

-         تثق بي؟! ولكنك لا تعرفني، وأنا لا أعرفك، فمن أنت ومن أين لك هذه النقود ولماذا تلبس هكذا.

الرجل الغريب:

-         هل تعرف أصحاب الكهف؟

أحمد:

-         طبعا أعرفهم...

الرجل الغريب:

-         هل تؤمن بوجودهم...

أحمد:

-         طبعا أؤمن... لا تقل لي إنك واحد منهم... حسب علمي، إنهم ماتوا ودفنوا...

الرجل الغريب:

-         اطمئن لست منهم ولكنني كنت أحدثك عن الوقت، هناك أناس يعيشون وقتا آخرا لذا هم يعمرون طويلا، وفي العادة لا يمكن رؤيتهم ولكنني لا أعرف لماذا أصبحت مرئيا اليوم؟! ربما بسبب نقص في الذكر أو ضعف في صلاتي أو دعائي. ولا أعرف أيضا إن كنت سأرجع غير مرئي أم سأبقى هكذا...

أحمد:

-         وكيف يمكنني أن أصدقك فيما تقول؟!

الرجل الغريب:

-         ليس مطلوبا منك أن تصدقني، وإنما أرجوك أن تبيع لي هذا الذهب وتأخذ المال إلى رجل سوف أصفه لك، وهو الذي سيوزعه على بعض الفقراء...

أحمد:

-         ولكنك لا تعرفني، قلت لك... فكيف تثق بي وتعطيني كل هذا الذهب لأوصله إلى الرجل الذي تتحدث عنه...

الرجل الغريب:

-         وربما أعطيك مثله في الشهر القادم أيضا. أما بالنسبة للثقة فإنه إن ظهر أنك غير ثقة وأنك لم توصل المال إلى أصحابه فسوف أعلم ولن أرجع إليك ثانية.

أحمد:

-         (مفكرا) سأساعدك هذه المرة... وكما قلت لك، لا أعرف صائغا ثقة في هذا السوق، ولكنني سوف أحاول مع أحدهم...

الرجل الغريب:

-         إذن سأخبرك الآن إلى من تأخذ المال...

أحمد:

-         (مستغربا) أي مال؟!!!

الرجل الغريب:

-         المال الذي سوف تجنيه من بيع الذهب...

أحمد:

-         نعم... صحيح...

الرجل الغريب:

-         هل تعرف مسجد العقرب في المدينة العتيقة؟

أحمد:

-         أعرفه... ولكن لا يمكنني الوصول إليه إلا على الأقدام والمسافة التي تفصله عن المكان الذي يمكنني أن أوقف فيه سيارتي طويلة...!!!

الرجل الغريب:

-         تمشي إليه مترجلا وعليك أن تكون هناك عند صلاة المغرب... هل أنت محافظ على صلاتك؟

أحمد:

-         الحقيقة...

الرجل الغريب:

-         على كل حال... لا تنس أن تذهب على وضوء وتصلي المغرب معهم. وبعد الصلاة، ابق وانتظر، سترى رجلا مسنا يقوم يصلي النافلة، سوف لن تخطئه لأنه سوف ينزع عنه غطاء رأسه ويجعله بجانبه على ظهره بحيث يمكنك وضع المال فيه. ولكن احذر... لا تضع المال قبل أن يغادر الجميع المسجد... ضع المال بحذر في القلنسوة وانصرف. (وهو ينظر أمامه) لقد وصلت... أنزلني هنا بارك الله فيك...

أحمد:

-         (مندهشا يوقف السيارة على جانب الطريق)

الرجل الغريب:

-         (يفتح باب السيارة، ينزل، يغلق الباب من جديد)

أحمد:

-         (يفتح نافذة السيارة وهو ينحني يقول) يا شيخ لم تقل لي إن كان يمكنني أن أراك ثانية، أريد أن أسألك عن الزمان، إنه سؤال له علاقة بشغلي: لماذا إنسان اليوم لم يعد له الوقت ليصنع تحف الأمس؟!

الرجل الغريب:

-         (ينحني بدوره على باب السيارة ومن خلال النافذة يقول) لا علاقة لذلك بالزمان الخارجي... إن له علاقة بالزمان الداخلي...

أحمد:

-         الزمان الداخلي؟! وما علاقته بالزمان الخارجي؟!

الرجل الغريب:

-         آسف، ليس عندي وقت، لابد أن أذهب، ولكن يمكنك أن تسأل رجل مسجد العقرب إن قابلته... في رعاية الله وحفظه...

أحمد:

-         (يلاحق الرجل بنظراته وهو ينصرف)

5-    خارج العمران، في مستهل غابة/ خارجي/ ليلا

الشيخ الغريب

يمضي الشيخ مبتعدا عن السيارة ويتوغل في الغابة حتى لا نعود نراه...

6-    في السيارة (عند مستهل الغابة) / خارجي/ ليلا

أحمد

                                                          أحمد:

-         (عندما يختفي الغريب، ينظر أمامه مفكرا ثم يلتفت إلى المقعد الذي كان يجلس عليه الشيخ، يرى كيس الدراهم الذهبية، يشده، يتأمل الدراهم فيه ثم يتمتم) إنها أندلسية من غرناطة... من نفس زمن المصباح الذي في المحل...!!!

7-    السوق/ خارجي/ نهار

أحمد

نرى أحمد يغادر محله للأنتيكات، ويمشي مترجلا حتى يدلف إلى سوق الذهب القريب ثم يدخل إلى إحدى المحلات.

8-    محل بيع الذهب (1) / داخلي/ نهار

أحمد، صاحب المحل (1)

يدخل أحمد محل الذهب فينهض له صاحبه مرحبا

                                                          صاحب المحل:

-         قل لي ماذا تشرب أولا؟!

أحمد:

-         لا شيء، أنا مستعجل وجئتك من أجل شيء مهم جدا

صاحب المحل:

-         (ينظر إلى صانعه، ثم هامسا) بما أنه شيء مهم جدا لابد من شرب شيء، على الأقل لنصرفه عنا (ثم بصوت مرتفع) هشام آتنا بقهوتين... بدون سكر...

أحمد:

-         (يتابع بنظره الصانع يغادر ثم يخرج كيس الدراهم الذهبية)

صاحب المحل:

-         (ينظر إليها ممتعضا ثم يستفهم) من أين جئت بهذه؟!

أحمد:

-         (مبتسما) من مكان ما...

صاحب المحل:

-         (معبرا عن انزعاجه) هل أصبحت تعمل في الذهب أيضا؟!

أحمد:

-         (مبتسما رغم امتعاضه واستغرابه من تصرف الصائغ) اضطرارا...

صاحب المحل:

-         إنها ليست أصلية...  

أحمد:

-         (كالغاضب) عن ماذا تتحدث؟!

صاحب المحل:

-         الدراهم... ليست أصلية...

أحمد:

-         (وقد أظهر انفعاله قليلا) ولكنك لم تتفحصها حتى...!!!

صاحب المحل:

-         لا يحتاج...

أحمد:

-         (من خلال زجاج "النافذة"، يرى الصانع قد أقبل بالقهوة، فيشد كيس دراهمه، يضعها في جيب سترته ويغادر المحل دون أن يسلم أو حتى يتطلع إلى صاحبه)

9-    محل بيع الذهب (2) / داخلي/ نهار

أحمد، صاحب المحل (2)

                                                          صاحب المحل (2):

-         (يكاد رأسه يلمس رأس أحمد، يغلق الكيس، يضعه في دولاب خلف الطاولة التي يجلس عليها ويقول همسا) السعر الذي أعطيتك إياه لن تجده في السوق، وربما لا تجد حتى من يشتريها منك...

أحمد:

-         لماذا؟!

صاحب المحل 2:

-         إنها نادرة جدا... علمت أنها دخلت السوق منذ أشهر فقط والجميع يبحث عنها... أخبرني أولا هل أطلعت عليها غيري؟

أحمد:

-         (غير مخف انزعاجه) جارك عبد الحميد...

صاحب المحل 2:

-         (مستاء) ألم تجد غيره؟!

أحمد:

-         هل هناك مشكلة؟!

صاحب المحل 2:

-         أعتقد أنها مشكلة كبيرة، علينا ألا نترك محلاتنا دون حراسة، وذلك منذ الليلة، على الأقل من باب الاحتراز...

أحمد:

-         (محدقا بعينيه إلى مخاطبه)

صاحب المحل 2:

-         الآن أريد أن أكلمك بصراحة، إن كان لك غيرها، هذا هو الوقت المناسب لكي تبيعها، أقصد هنا والآن، أي في هذه اللحظة، وبما أنه لا يوجد غيرنا فأنصحك بأن تبيع كل ما وجدته أو حصلت عليه لي لأنه لن يمكنك بيعها بعد ذلك...

أحمد:

-         (مستغربا بشدة) لماذا؟!!!

صاحب المحل 2:

-         لن تنتظر طويلا لتعرف لماذا...

أحمد:

-         اطمئن ليس عندي غيرها... (وهو يتسلم المال ويستعد لمغادرة المحل)

صاحب المحل 2:

-         لا تنس أن تحرس محلك للأنتيكات جيدا... وابتداء من الليلة...

10-                        مسجد تقليدي صغير (مسجد العقرب) / داخلي/ ليلا (المغرب)

أحمد، الشيخ رث اللباس، الامام وعدد من المصلين من كل الأعمار بينهم أطفال.

بعد التسليم من صلاة المغرب، يجلس أحمد متوكئ على سارية ينظر ما يجري أمامه باحثا عن الشيخ الذي وصفه له الرجل تحت المصباح، يلاحق بنظره عددا من الشيوخ الذين يبدؤون واحد بعد الآخر يغادرون المسجد. وفي الأخير يتركز نظره على شيخ يضع قلنسوته بجانبه وهو يصلي النافلة، وكلما تفرغ من أدائها وضع يده على القلنسوة بجانبه يتفقد إن كانت موضوعة على ظهرها. وهو يصلي كان هناك بعض الصبية الذين جاؤوا مع أهاليهم يلعبون ويركضون وكانوا يقتربون من الشيخ وهو يصلي فيقلبون له القلنسوة على وجهها، ويرجع الشيخ كلما فرغ من الصلاة يتفقدها ويعيدها إلى وضعيتها الأولى. وفي الأخير غادر الجميع المسجد ولم يبقى فيه إلا أحمد والشيخ.

                                                          أحمد:

-         (نهض من مكانه، اقترب من القلنسوة ووضع فيها حزمة المال)

الشيخ:

-         (أحس بأحمد يقترب منه ويضع المال في القلنسوة وبدرت منه التفاتة خاصة)

أحمد:

-         (انتبه إلى أن الشيخ ربما يكون ضريرا، وتأمله جدا وهو يحط القلنسوة على رأسه بحيث لا تسقط منها الأوراق المالية، لقد حطها بطريق جعلت أحمد يتأكد أن الرجل ضرير)

الشيخ الضرير:

-         (بعد أن وضع القلنسوة على رأسه لم يتحرك من مكانه وكان يحرك رأسه مستمعا ومنتظرا أحمد أن يغادر المسجد)

أحمد:

-         (فهم أن عليه أن يغادر المسجد قبل الشيخ، فخرج)

11-                        أمام المسجد/ ليلا/ خارجي

أحمد، الشيخ الضرير

غير بعيد عن باب المسجد، وقف أحمد منتظرا خروج الشيخ، لحظات وغادر الشيخ المسجد بحذر وهو ينصت إلى ما حوله، ثم مشى في اتجاه اليمين، وتبعه أحمد.

12-                        عند باب أحد البيوت/ خارجي/ ليلا

أحمد، الشيخ الضرير

والشيخ يمشي وأحمد يتبعه وينظر إليه من بعيد، توقف الشيخ أمام باب بيت، طرقه، فتح الباب، مد إلى الداخل بعض المال ثم انصرف وأغلق الباب.

13-                        عند باب بيت ثان/ خارجي/ ليلا

أحمد، الشيخ الضرير

في نهج جديد والشيخ يمشي وأحمد يتبعه من بعيد، يتوقف الشيخ، يطرق بابا، يفتح له، يمد المال إلى شخص في الداخل لا نراه، يغلق الباب وينصرف الشيخ ويتبعه أحمد.

14-                        عند باب بيت ثالث/ خارجي/ ليلا

أحمد، الشيخ الضرير

هذه المرة لا يطرق الشيخ الباب وإنما يفتحه بمفتاح أخرجه من جيبه، يدخل ويغلق الباب. ينتظر أحمد الشيخ أن يخرج وبعد أن ينظر إلى ساعته ينصرف وهو يتأكد من شكل الباب وموقعه والنهج الذي هو فيه.

15-                        سطحه واسعة تستقبل عرسا/ خارجي/ ليلا

أحمد، زوجته، عدد من أصدقائه الذين يشاركونه إحدى طاولات الرجال

                                                          أحمد:

-         إنها قطعة أصيلة وأعتقد أنها من زمن ملوك الطوائف في غرناطة...

أحد الأصدقاء:

-         (مستغربا ومشككا) وكيف وصلت إلى مكتبك هذه القطعة النادرة؟!!!

أحمد:

-         قلت لك جئت فوجدتها على الطاولة... المحل كان مغلقا ولا أحد من الحراس لاحظ أن شخصا قد دخله، ثم إن الأبواب كانت سليمة...

أحد الأصدقاء:

-         المهم ماذا ستفعل فيها، وهل ستبيعها وإلى من؟

أحمد:

-         الآن لابد أن أنتظر... بعد ذلك لكل قطعة صاحبها، سيأتي من يراها معلقة فيعرف قيمتها ويبدأ بإعطاء سعره... بالنسبة لأمثال هذه القطع النادرة، لا نبيعها لأول وهلة، ننتظر عليها قليلا حتى نتحقق من قيمتها الحقيقية وسعرها الحقيقي...

16-                        في الطريق (في السيارة) / خارجي/ ليلا

أحمد، زوجته

                                                          أحمد:

-         قلت لك أنا بخير، ولكن حدث لي شيء غريب في العمل!!!

الزوجة:

-         المصباح؟

أحمد:

-         نعم المصباح... ولكنه ليس أمر هين، تأكدت تقريبا أنها تحفة نادرة، ثم حدث شيء آخر أكد لي أن هناك شيء غير طبيعي يجري من حولي...

الزوجة:

-         شيء غير طبيعي؟!!!

أحمد:

-         يمكنك أن تقولي إن أشياء كثيرة غير عادية رافقت ظهور المصباح في المكتب...

الزوجة:

-         وما هي...؟!!!

أحمد:

-         سوف أخبرك عندما أتأكد من علاقتها ببعضها...

الزوجة:

-         ولماذا لا تخبرني الآن؟!

أحمد:

-         أتركني أتأكد أولا...

17-                        بيت أحمد/ داخلي/ ليلا

أحمد، زوجته

يفتح الباب ويدخل الزوجان في الظلام ثم يشعلان الأضواء فإذا بهما أمام مشهد رهيب، قلب البيت رأسا على عقب.

                                                     أحمد:

-         (وهو يتخطى الأثاث الملقى على الأرض مندهش، يخرج محموله ويكون رقما)

الزوجة:

-         هل تطلب الشرطة؟

أحمد:

-         لحظة عزيزتي... ألو حميد... كيف الأحوال في السوق... كم معك من الحراس؟ (...) ابقوا يقضين... لا أحد ينصرف أو ينام الليلة، إن لاحظتم شيئا غير طبيعي أخبروني... في أي وقت... واضح؟ ...

18-                        مركز للشرطة/ داخلي/ نهار

أحمد، المخبر، شرطيان، وكاتب

                                                          أحمد:

-         قلت لكم، إنه رجل لم أره من قبل وهو يلبس ملابس أندلسية قديمة، سلمني الذهب وانصرف...

المخبر:

-         (مستهزئا) هل يحدث هذا دائما؟!

أحمد:

-         قلت لك إنه شيء غريب جدا... ولن يحدث ثانية بالتأكيد...

المخبر:

-         وأين المال الآن؟ انتبه إننا نعرف الثمن الذي بعت به...

أحمد:

-         (مفكرا وبدهاء قال) المال معي، يمكنني أن أرجعه إليكم إن رأيتم أنه ليس من حقي...

المخبر:

-         (ابتسم ساخرا ولم ينبس بكلمة)

19-                        غرفة النوم/ داخلي/ نهار

أحمد، زوجته

أحمد:

-         (كان نائما وحده في فراش الزوجية، وإذا به ينتبه مذعورا ويضع يده تحت مخدته ويخرج كيسا من نفس النوع الذي أعطاه إياه "الرجل تحت المصباح"، يفتحه فإذا به تلك النقود الذهبية، يندهش، يسمع صوت زوجته تقترب فيعيد القطعات الذهبية إلى الكيس ويضعه على الفراش بارزا أمامه.

الزوجة:

-         (وقد دخلت إلى الغرفة، تنظر باستغراب إلى الكيس) هل وجدته مرة أخرى؟؟!!

أحمد:

-         (كاليائس) نعم...

الزوجة:

-         طبعا لن تستطيع بيعه... هل ستبقى تنفق عليهم إلى ما لا نهاية وذهبهم مخزون لا تستطيع بيعه؟؟!!

أحمد:

-         (لا يعرف ماذا يقول، ولكن مطمئنا، يحرك رأسه بالإيجاب ولا ينبس بكلمة) ولكنني بعت المصباح بثمن باهض وهو ليس لي...

الزوجة:

-         هل تظن أنه من عند الرجل الذي التقيته تحت المصباح؟!

أحمد:

-         لا أدري...

20-                        مسجد العقرب/ داخلي/ ليلا

أحمد، الشيخ الضرير، بعض المصلين

أحمد:

-         (ينتظر أن يغادر المصلون المسجد)

الشيخ الضرير:

-         (يصلي النافلة واضعا قلنسوته على ظهرها بجانبه)

أحمد:

-         (بعد أن تأكد أن المسجد بات خاليا تماما، ينهض ويخرج المال من جيبه ويضعه في القلنسوة ويغادر المسجد وهو يراقب الشيخ الضرير)

الشيخ الضرير:

-         (انتهى من صلاته ومد يده إلى القلنسوة المكنوزة بالمال)

21-                        أمام المسجد/ خارجي/ ليلا

أحمد، الشيخ الضرير

                                                          أحمد:

-         (يقف غير بعيد من المسجد يراقب)

الشيخ الضرير:

-         (يظهر من باب المسجد ويخرج حذرا متنصتا إلى ما يدور حوله)

22-                        أمام باب بيت/ خارجي/ ليلا

أحمد، الشيخ الضرير

                                                     أحمد:

-         (يقف غير بعيد عن الشيخ يراقبه)

الشيخ:

-         (يطرق بابا، يفتح له، يمد بعضا من المال، يغلق الباب، وهو ينصرف تبدر منه بعض التفاتة جهة أحمد)

أحمد:

-         (يلاحظ أن الشيخ حرك رأسه تجاهه، فيتوقف حذرا)

23-                        أمام باب بيت الشيخ/ خارجي/ ليلا

أحمد، الشيخ الضرير

                                                          الشيخ الضرير:

-         (يفتح باب بيته، تبدر منه نفس تلك الالتفاتة إلى الجهة التي يقف فيها أحمد، وبعد وقت قليل وكأنه متردد ينادي) هل تقبل أن تشرب معي فنجان قهوة؟

أحمد:

-         (متعجبا وصامتا، لا يبرح مكانه ثم مترددا في البداية يمشي نحو الشيخ ويدخل معه بيته، ويغلق الباب)

24-                        فضاء السقيفة (الدهليز)/ داخلي/ ليلا

أحمد، الشيخ

ظلام دامس، فلا نرى من الفضاء شيئا ما عدى ضوء قادما من الفناء عبر الباب الذي يأخذ إليه.

                                                          الشيخ:

-         (يمد طرف العصا لأحمد ويقول) امسك العصا واتبعني...

أحمد:

-         (في الظلام الشبه دامس يتلمس العصا ويمسك بها)

25-                        فناء البيت/ خارجي/ ليلا

أحمد، الشيخ

الشيخ يقطع الفناء وأحمد ماسكا بعصاه يتبعه، وفي ذات الوقت يتابع مشهدا رهيبا في وسط الدار. حيث يجد نفسه يمشي وراء الشيخ في مسار ضيق وسط أكداس من الزبالة مكونة من الملابس القديمة، ويبلغ ارتفاع بعض هذه الأكداس قامة رجل.

26-                        غرفة في قلب غرفة (مقصورة)/ داخلي/ ليلا

أحمد، الشيخ

في الظلام يقطع الشيخ بأحمد غرفة يفتح بابها ونافذتاها على الفناء حيث يتسرب إليها بعض ضوء القمر، ولكن بعد ذلك يتقدم به إلى غرفة أخرى في عمق الأولى وهناك يصبح الضوء منعدما تماما ويبيت المشهد أسودا لا ضوء ولا صورة فيه.

                                                          الشيخ:

-         تلمس الجدار على يسارك هناك كرسي عنده يمكنك أن تجلس عليه... هل وجدته؟

أحمد:

-         (بعد لحظات نستمع إلى صوت تدحرج الكرسي) نعم وجدته

الشيخ:

-         تفضل اجلس... (بعد لحظات تكفي الشيخ أن يجد مقعده ويجلس) تسأل إذن عن الوقت؟

أحمد:

-         (مترددا) هل سنبقى في الظلام...؟!

الشيخ:

-         آسف كثيرا، هذا هو مكاني ولا أحتاج فيه إلى الضوء... ومع ذلك سوف أشعل لك الأضواء حينما أجيبك على سؤالك عن الوقت...

أحمد:

-         لقد أردت أن أعرف كيف أمكن لأناس الزمن السابق أن يجدوا الوقت ليبدعوا تحفا لا يمكننا صنعها اليوم ولا أن نجد لها الوقت رغم أن يومنا كيومهم... أربع وعشرون ساعة!!!

في هذه اللحظة، في الظلام الدامس، يسمع أحمد صوتا قادما من جهة الشيخ وهو عبارة عن نقش بمطرقة ومسمار على آنية نحاسية، وتأتي والضربات منتظمة كما يعرف عند تلك الفئة من الحرفيين.

                                                          أحمد:

-         (ينتظر صامتا ثم يسأل محتشما) لم تجبني عن سؤالي سيدي...

الشيخ:

-         (وهو يطرق بالمطرقة والمسمار على النحاس) بل أنا الآن بصدد إجابتك، هل تدري أني اخترت بمحض إرادتي أن أكون ضريرا؟

أحمد:

-         هل أعميت نفسك؟!

الشيخ:

-         لا... لقد قمت بإغماض عيني... أغمضتهما لأني تساءلت مثلك عن الوقت... كنت أعتقد أن العيش في الظلام يعطي للإنسان وعيا وشعورا مختلفا بالوقت...

أحمد:

-         وماذا حدث؟!

الشيخ:

-         لم أفتح عيني منذ 19 سنة...

أحمد:

-         لماذا؟؟!!

الشيخ:

-         (وهو لا يتوقف عن النقش على النحاس) لأني وجدت نفسي في زمن مختلف... ووجدت الوقت فيه طويل ويسمح لي بأن أفعل أشياء كثيرة جدا...

أحمد:

-         والآن، ماذا تصنع؟؟!!

الشيخ:

-         أنقش مصباحا من النحاس...

أحمد:

-         وكيف تستطيع أن ترى؟!

الشيخ:

-         إن عندي من الوقت ما يكفي كي أتعلم أن أرى في الظلام...

أحمد:

-         الوقت؟؟!!

الشيخ:

-         إن الرؤية تجعلنا نستمتع بما نراه، ولأنه كثير ومغر فإنه يستغرق وقتنا كله. عندما أغمضت عيني وجدتني قادر على فعل كل ما أريد. فعلت كل ما لم أكن أفعله ببصري... الآن يمكنك أن تشعل الضوء... للأسف ليس عندي ضوء في البيت... ولكنني أعرف أن معك تلفونك المحمول ويمكنك أن تستعمله لتضيء المكان وترى ما نقشت.

أحمد:

-         (صامتا، نسمعه يتحرك على كرسيه ويحدث بعض الركز، وفجأة يشتعل المحمول في الفضاء ويستقر أولا على وجه الشيخ ثم على المصباح الذي أمامه فإذا هو من نفس نوع المصباح الذي رأينا في محل أحمد للأنتيكات) ما هذا؟؟!! لا تقل لي إنك نقشته في الظلام؟؟!!

الشيخ:

-         ارفع الضوء إلى فوق وسترى أمثاله معلقا في السقف

أحمد:

-         (يحرك الضوء إلى السقف فنرى عشرات المصابيح معلقة وهي بنفس النقوش الدقيقة للمصباح في المحل) هل صنعت كل هذا؟! إنه مستحيل...

الشيخ:

-         أغمض عينيك عن كل زينة هذه الحياة وسيريك الله المستحيل...

(انتهت)

© كل الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي

Mohsenhedili2@gmail.com

تعليقات