قصة قصيرة: من فضاء الورقة إلى فضاء العيون



بقلم: محسن الهذيلي
(هذه القصة يمكنها أن تكون فيلما من مشهد واحد)
قَيْسٌ شاعر يحب زوجته، ولكنه مثل أغلب الشعراء فاشل جدا عندما يتعلق الأمر بخارج نطاق الورقة. فهو لا يخرج من خصومة مع زوجته حتى يدخل في أخرى. ولأنه شاعر، ولكن غير فاشل، كما قلنا، ضمن فضاء الورقة؛ فإنه كثيرا ما يلجؤ إليها عندما تتفاقم مشاكله مع زوجته. يختلي بنفسه ويأخذ قلما وورقة ويكتب فقرة أو حكاية فيها شعر وبعض الكذب. فالكذب، في شرع شاعرنا، جائز من أجل القافية وحين يكون بهدف الاصلاح بين نفسه وزوجته.
دقيقتان تكونان كافيتين لشاعرنا الملهم كي يخط بيده كلاما جميلا ولذيذا يصلح ما فسد بينه وبين زوجته. ولكن أين الفرصة المواتية كي يقرأ عليها ما كتب أو حتى يقوله لها على الهواء. ذلك الهواء العابث به وبأوراقه.
اقترب قيس من زوجته ثم بادرها بالسلام، لم ترد، تفهم، لأنها غاضبة جدا عليه، وقال في نفسه: "المهم أنها لم تقم". جلس غير قريب منها وغير بعيد عنها ثم قال: "لقد ذهبت إلى بيت أختي فاطمة اليوم..." انتظر، فلم تقل شيئا ولم تقم... قال: "وجدت عندها عمتي آمنة وابنتها سارة..."، لم تقل شيئا ولم تقم... قال: "لقد أخذت معي ابنتنا زينب بعد وقت الروضة". كان ينتظرها أن تتكلم في هذا الموضع لكنها لم تفعل ولم تقم. فسعد، لأنه اعتقد أن تلك هي آخر فرصة لها كي تقوم، فبعدها تأتي الحكاية بما هو أكثر تشويقا... وأكمل قائلا: "لقد كان الحديث حول جمال عيني ابنتنا زينب، قالت عمتي: "ما شاء الله ما أجمل عيني زينب"، قالت فاطمة: "لقد جاءت حوراء مثل أمها"".
في الورقة، فيما يلي، كتب الشاعر كلاما يزعج الزوجة، وقد جعله على لسان العمة، لذا أحس بالخوف، ولكن عليه ألا يخرج عن نص الورقة  فحبكة الحكاية تتطلب ذلك، قال: "قالت عمتي: إن عيني زينب أجمل بكثير من عيني أمها"... هنا سكت، انتظر قليلا ولكن لا أحد نطق، أعني لم تنطق الزوجة ولم تقم، فتمادى قائلا وقد بدأ يحس بالنصر، فالخاتمة التي ستأتي بعد ذلك قد أتقن حبكتها وأحسن اختيار كلماتها: "قلت لعمتي: إن ما جعل عيني زينب أجمل من كل العيون هو الحب... "، قالت: "وما ذاك؟! وما دخل الحب في جمال العيون وأي حب تتحدث عنه؟!"، قلت: "حبي لزوجتي... لقد أحببتها كثيرا فجاءت ابنتنا حوراء جميلة"، قالت أختي فاطمة: "صحيح، يقال أن الحب بين الأزواج ينقلب جمالا على الأبناء". لم تتكلم العمة ولا الزوجة ولم تقم من مكانها وإنما خيل لشاعرنا أنها ابتسمت، حينئذ نهض واثقا واكتفى بما جادت عليه به ورقته الأولى.
(تمت)
© جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
Mohsenhedili2@gmail.com

تعليقات