سيناريو فيلم قصير: لعبة "الببجي" (PUBG)
بقلم: محسن الهذيلي
صبيحة الهجوم على
مسجدين في مدينة "كرايست تشيرتش" بـ"نيوزيلاندا".
غرفة في قاطرة/ داخلي/ نهار
فتاة في
ريعان الشباب جميلة وجذابة ترتدي لباس الأخوات المسيحيات، رجل في أواخر الثلاثينات
من العمر، شيخ بين الستين والسبعين، عجوز قد تجاوزت السبعين وزوجين قد تجاوزا
الأربعينات من العمر، شاب في السابعة عشرة من العمر تقريبا. شاب في أواخر
العشرينات صاحب جسد قوي ويرتدي لباسا إسلاميا.
تتكون غرفة
القاطرة من صفين متقابلين من المقاعد. تجلس الفتاة عند النافذة ولا أحد يجلس قبالتها،
وبجانبها تجلس العجوز التي لن تتكلم طوال الفيلم وتعكس من خلال مواقفها الدرامية
إحساسا بالنقص بات يعاني منه كثير من المتقدمين في السن في الغرب. بعد العجوز يجلس
الشيخ ثم الشاب. في المقابل يجلس عند الباب الزوج ثم الزوجة ثم الرجل الثلاثيني.
يقرأ
الرجل الثلاثيني جريدة ونطالع على صفحتها الأولى صورة من فيديو القاتل في
"نيوزيلاندا" وهو يحصد أنفس ضحاياه.
بينما يخيم
الصمت... ينظر الجميع إلى الصورة في الجريدة ثم يسترقون النظر إلى بعضهم بعضا.
الفتاة
في اللباس المسيحي:
-
(بعد صمت) أي عالم هذا الذي بتنا نعيش فيه؟؟؟!!!
صمت
الفتاة:
-
أين أولئك الذين يدعون أن المسلمين عندهم سلاح في مساجدهم؟
الشيخ:
-
كل شخص يجد جزاء فعله... المسلمون هم الذين بدأوا بالقتل
الفتاة:
-
إذن أنت تبرر هذه الجريمة؟!
الشيخ:
-
(يريد أن يدافع عن نفسه ولكنه يقرر أن يصمت)
الرجل
الثلاثيني:
-
إنه لا يبرر شيئا وإنما يتحدث عن الواقع، المسلمون زاد عدد ضحاياهم...
الفتاة:
-
هل بلغوا الملايين كما في العراق وسوريا واليمن وبورما وفلسطين
وغيرها؟!
-
هناك، يقتلون بعضهم بعضا...
-
وهل كان ذلك قبل تدخل بلادنا في منطقتهم أم بعده؟!
-
ولكننا أردنا مساعدتهم وتخليصهم من الديكتاتوريات التي تحكمهم...
-
هل أنت جاد... هل تعتقد ما تقول؟!
الشيخ:
-
كان خطأ أن ساعدناهم في ذلك، إنهم شعوب لا ينتظمون إلا تحت
الديكتاتوريات...
الفتاة:
-
ربما تخلصنا لمصلحتنا من الديكتاتوريات التي تقف أمام ابتزازنا
لثرواتهم أما الدكتاتوريات الأخرى فأصدقاؤنا...
الزوج الأربعيني:
-
ستكبرين وتعرفين أن العالم تحكمه المصالح (وهو ينظر إلى زوجته مبتسما)
حتى الأسر الآن باتت تحكمها المصالح...
الزوجة:
-
(تنظر غاضبة إلى زوجها ولا تنبس بكلمة)
الشاب
الصغير:
-
(معتد بنفسه مثل كل المراهقين) سوف أصف لكم ما حدث بالضبط... القاتل
ليس سوى شاب مدمن على لعبة "الببجي"، لقد اختلطت عليه الأمور وظن أن
الواقع فضاء افتراضي، القتل والدم أصبح شيئا عاديا، المئات يموتون يوميا في العراق
وسوريا واليمن وفلسطين... وفي الأفلام لا نرى إلا القتل والدماء. أما في العالم
الافتراضي، فأغلب الألعاب تقوم على القتل وفي "كرايست تشيرتش" انزلق القتل
خارج العالم الافتراضي إلى الواقع...
الفتاة:
-
ومن ابتكر هذه الألعاب؟! هل هم المسلمون؟!
الشاب
المراهق:
-
إنهم نحن يا أختاه... وكذلك السلاح الذي يستعمل في كل تلك الحروب التي
ذكرتها...
الفتاة:
-
إذن نحن من نصنع الحروب عندهم لنبيعهم أسلحتنا...
الشاب
المراهق:
-
ونصنعها لنبيعها عندنا أيضا، إن قطع السلاح التي نملكها أكبر من عددنا
كلنا. إن لدينا مئات الملايين من الأسلحة في بيوتنا. لقد أصبحت بيوتنا ثكنات وليس
أماكن للود. رجعت الآن من عند صديق لي أصله من السينغال في أفريقيا. لقد تفاجأت
أنهم أكثر من ستة أبناء في البيت وفي العشاء يأكلون حول نفس الطاولة... وتفاجأت
أكثر عندما علمت أنهم لا يملكون ولا قطعة سلاح في بيتهم...
الفتاة:
-
إن مثلهم كمثل مصليي "كرايست تشيرتش"
الشاب:
-
الآن سيفكر المسلمون في امتلاك السلاح عندنا كي يحرسوا مساجدهم... ومن
الرابح؟! الذين يصنعونه ويكدسون به ثرواتهم... البارحة أردنا أنا وصديقي السينغالي
أن نشاهد فيلما في السينما فوجدنا أنها كلها تحتفي بالقتل... صحيح أنه ليس كلها،
فهناك أفلام الرعب ولكن فيها كثير من الدم أيضا... إنهم يخوفوننا ويفهموننا أنه حتى
لا نخاف علينا أن نمتلك السلاح كي ندافع به عن أنفسنا.
الفتاة:
-
ولكنهم لا يتوقفون عن تخويفنا بشتى السبل، وامتلاك السلاح وحده لا
يذهب خوفنا...
الشاب
الصغير:
-
لذا فإن عليك أن تبدئي بالقتل قبل أن يقتلوك وهذا هو ما تعلمك إياه
تلك الألعاب التي سيطرت على حياتنا الافتراضية التي لم تعد افتراضية، كثير من
الناس يقضون فيها جل وقتهم...
الزوج
الأربعيني:
-
هذا هو عالمنا علينا أن نقبل بالواقع...
الفتاة:
-
المشكلة أنه واقع لم نعد نشارك في صنعه...
الشاب
الصغير:
-
والذين يصنعونه هم الذين يصنعون السلاح والحروب وألعاب وأفلام القتل
والرعب... (وهو ينظر إلى المحطة التي يستعد القطار للتوقف فيها، ونحن نسمع صوت
الإعلان عنها والطلب من النازلين فيها الاستعداد للنزول، يكمل الشاب قائلا) هذا هو
مكاني، سوف أغادركم الآن، آسف على الثرثرة، ولكنني أحب أن أذكركم إن نسيتم أن
مدينتي هذه الجميلة تداولتها وسائل الاعلام قبل بضعة أشهر واصفة حادثة قتل جماعي
جرت في معهد ثانوي، ذلك المعهد ليس سوى معهدي، والقاتل الذي أجهز على عدد من
زملائه وبعض أساتذته ليس سوى صديق قديم لي، كان طيبا جدا ولكنه مغرم جدا بتلك
الألعاب التي تجعل القتل أمرا مسليا يصرفك عن معايشة الحياة التي عقدتها أفلام
القتل والرعب وأخبار الكراهية... لقد لغموا الحياة فهرب الناس إلى العالم
الافتراضي فوجدوه ملغما أكثر من الواقع نفسه... (ثم التفت إلى الأخت المسيحية
وقال) أختي، أنت تتكلمين مثل أخت صديقي، وتلبسين مثلها أيضا ولكما نفس الجاذبية
ولكنك بيضاء وهي سمراء... (وهو ينظر إلى الجميع يقول قبل أن يغادر)
"باي..."
صامتين
يتابع الجميع الشاب وهو يغادر غرفة القاطرة، ثم بعد ذلك يتفحص بعضهم بعضا خلسة، ثم
ينظرون إلى المحطة.
على كرسي
للانتظار أمامهم يجلس شاب في أواخر العشرينات. يتمتع الشاب بجسد قوي وهو في لباس
إسلامي أبيض ويغطي رأسه بقلنسوة بيضاء. كان مطرقا ينظر حزينا إلى الأرض. ثم فجأة
يرفع رأسه إلى القطار أمامه وكأنه ينتبه من غفوة، يتأمل من خلال النافذة المسافرين
الناظرين نحوه باندهاش ثم ينهض ويقترب من النافذة يتأملهم بنظرة حادة، حينئذ تطرق العجوز
ثم الشيخ. فينسحب الشاب المسلم في اتجاه مقدم القطار.
لحظات
ويغادر القطار المحطة. ثم لحظات ويفتح باب غرفة القاطرة ويدخل ذلك الشاب المسلم ذو
القلنسوة البيضاء. يتأمل الجميع، يرى المكان الشاغر قبالة الأخت المسيحية، يغلق
الباب ويمشي ليجلس فيه.
يسود
الصمت والتوتر برهة ثم يتكلم الشاب الثلاثيني:
الشاب
الثلاثيني:
-
(مخاطبا الأخت المسيحية بسخرية) إنه من النادر جدا أن نقابل أختا متدينة
وجميلة مثلك...
الفتاة:
-
ماذا تعني...؟!
الشاب:
-
كل الأخوات اللاتي قابلتهن قبيحات... إلا أنت...
الفتاة:
-
(وهي تنظر إلى الشاب المسلم أمامها) أما أنا، فقد قابلت كثيرا من
الأخوات المسلمات الجميلات أم إنك لا تعتبرهن أخوات؟!
الشاب
المسلم:
-
(يرفع رأسه يتأمل الأخت وقد فاجأه قولها ثم ينظر إلى الشاب الثلاثيني
منتظرا رده)
الشاب
الثلاثيني:
-
(بدهاء) هناك بينهن الجميلات وهناك القبيحات... ولكنني حين أريد أن
أتزوج سوف أتزوج من مسيحية، المسلمة تريد أن نتحول من أجلها إلى الإسلام وأنا فخور
بديني...
الفتاة:
-
(بدهاء) أفهم من كلامك أنك تفكر في الزواج بي لأنني الأخت المسيحية
الوحيدة التي التقيتها ووجدتها جميلة.
الشاب
الثلاثيني:
-
ولكنني لا أريد الزواج من أخت، إن تزوجت فسأتزوج من امرأة عادية...
مثلي.
الفتاة:
-
أنا أعتبر نفسي امرأة عادية مثلك تماما...
الشاب
الثلاثيني:
-
إنني لا أقصد لباسك ولكنني سمعت أفكارك... وأنا أسافر الأسبوع القادم
إلى سوريا...
الشاب
المسلم:
-
(أمام دهشة الجميع) لا تسافر... لقد سجنت لأني رفضت السفر إلى العراق،
قلت لهم إني مستعد للدفاع عن بلدي من هنا ولا أحتاج إلى الذهاب إلى بلدان
الآخرين... ورغم ما عشته في السجن فإني فخور بقراري (وهو ينظر إلى الفتاة) وهناك
أخت تنتظرني رغم كل تلك السنين...
الفتاة:
-
(مازحة ومخاطبة الشاب الثلاثيني) إذا دخلت السجن ولم تسافر،
فسأنتظرك...
الشاب
الثلاثيني:
-
(وقد بدأ الإعلان عن الوصول إلى المحطة القادمة، ينهض ويقول) سوف أنزل
هنا...
الفتاة:
-
(تنهض بدورها باحثة عن حقيبتها وتقول) أنا أيضا أنزل هنا...
الشاب
المسلم:
-
(ينهض) أنا أيضا أنزل هنا...
الفتاة:
-
(سعيدة) نحن إذن من نفس المكان...
ويتأمل الثلاثة بعضهم بعضا وكأنهم يتعرفون
على أنفسهم.
(انتهى)
© جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
mohsenhedili2@gmail.com
تعليقات
إرسال تعليق