الدين والنظرة
الكونية
والاحساس بالعمارة
بقلم: محسن الهذيلي
لو قلت لكم إن إدخال مادة الدين في برامج
تدريس العمارة أمر ضروري لاستغربتم.
وهذا الاستغراب مأتاه الفكرة التي تقول: إن
العمارة كفن أو صناعة أو علم لا علاقة لها بالدين، لأنها تهتم بأمر موضوعي، بينما
الدين موضوعه النفس الانسانية والروح الداخلية وهذه مسألة شخصية لا ارتباط لها
بالخارج الدنيوي والاجتماعي إلى آخره من تلك الادعاءات التي نعرفها جميعا..
أما بالنسبة لمقولة الدين وماذا أقصد منها
فهو سؤال مهم ومنهجي، وعلينا أن نحدده منذ البدء وبشكل واضح حتى لا يكون هناك أي
لبس. ما أقصده بالدين هو الديانات السماوية التي تلتقي عند أساسين واضحين مشتركين
هو الإيمان بالله واليوم الآخر. هذه الأديان جميعا هي ما قصدت بمقولة الدين هنا.
كما يدخل في رأيي ضمن هذه المقولة أو المفهوم للدين الكتاب السماوي لكل من تلك
الأديان وما يشير إليه بشكل مباشر أو غير مباشر من قضايا العمارة والمكان أو
الحيز.
الآن أتركوني أشير إلى فكرة أخرى لها صلة
قوية، في رأيي، بالفكرة الأولى: لو كنا في حصة تذوق لأنواع من المأكولات، وقال أحد
الحاضرين: علينا، قبل أن نبدأ بالتذوق والحكم عليها، أي المأكولات، أن نتأكد أولا
من أن ذائقة كل واحد منا سليمة، فقد يكون بيننا من هو مريض مثلا وطعم فمه مر،
وبذلك لن يجد، بالتأكيد، للمأكولات مهما كانت لذيذة أي طعم أو إنه سيجد
لها طعما واحدا هو طعم فمه. والسؤال: هل نأخذ رأيه بعين الاعتبار؟ بالتأكيد لا.
وهذه الفكرة تنطبق على كل حواسنا وكونها أبواب بالنسبة إلينا على كل ما يحيط بها
من أشياء. وإن تعطلت إحداها تعطل إحساسنا ووعينا بالأشياء التي تأتينا من خلالها.
كذلك بالنسبة للعمارة، فأي إنسان غير سعيد
أو مضطرب نفسيا وروحيا أو ليست له أي نظرة للحياة والوجود تصورهما له في صورة حسنة
وجذابة، لا يستطيع مهما كان جمال العمارة التي يعيش فيها أن يستطعمها، لأن لديه
مانع ذوقي دونها.
لذا فإن على المعماري، المنظر على الأقل،
أن يتفطن إلى هذه النقطة المهمة، ويحاول أن ينبه إليها مستعملي الحيز والصانعين له
والقائمين عليه، وهي أن حدا أدنى من السعادة النفسية والروحية ضروري لمعايشة
العمارة والتمتع بها. وإذا فقدت هذه السعادة النفسية والروحية الضرورية فإنه سيكون
من الصعب جدا على مستعملي المكان أن يسعدوا به مهما حاولوا. علما وأن ذائقتهم
للعمارة لا ترتبط، كما في مثال استطعام الطعام، بأذواق أفواههم وألسنتهم وحسب، ولا
ترتبط حتى بباقي حواسهم كلها، المشكلة تبدأ هنا من الأصل أي إنها ترتبط بكل الحالة
النفسية والروحية التي تعيشها ذواتهم.
لذا أكرر: إننا إن أردنا أن نسعد بالعمارة
التي نريد أن نعيشها، من خلال كل حواسنا طبعا، علينا أن ندخلها بحد أدنى من
السعادة الروحية والنفسية. وبقدر ما يزيد زخم سعادتنا تلك، بقدر ما تزيد سعادتنا
بالأحياز الجميلة، ويزيد تمتعنا بها من خلال كل حواسنا. كما أننا نرفضها ونغادرها
فورا إن وجدنا أنها لا تتسم بتلك المواصفات.
أما بالنسبة لسؤال لماذا الدين وليس
الفلسفة؟ فذلك لأن الدين وحده، كما حددناه من خلال مبدئي الإيمان بالله واليوم
الآخر، هو ما يعطي للعمارة وللمكان وجوده الحقيقي، بما أنه لا يغلقه، بسبب إيمانه
بامتداد الحياة إلى ما لا نهاية في المكان والزمان.
لذا أختم هنا بفكرة بسيطة جدا ترتبط
بالعمارة الجميلة عموما وتقول: إن عدو أي عمارة جميلة هي فكرة الانغلاق، فتحقيق جمالها
مرتبط بالجواب على كيف تنفتح؟ وفي دنيانا هذه يرتبط هذا الانفتاح بالطبيعة
بالتأكيد ولكن ليس بها وحدها. لأن العمارة، وكما أشرنا، تحتاج إلى الجواب على
سؤال: كيف نعيش؟ وبالتالي ما هي نظرتنا إلى الحياة والوجود؟ فإذا كانت هذه الحياة
والوجود منغلقين على هذه الدنيا وحدها، تعست هذه الدنيا وتعست العمارة التي نعيش
فيها بالنتيجة، وذلك، بكل بساطة، لأنها ستكون عمارة منغلقة مبدئيا.
نتوقف الآن عند هذه الفكرة، وفي مقالات
لاحقة، سوف نفصل بإذن الله في هذه المفاهيم البسيطة أساسا فنجعلها أكثر تبسيطا
ووضوحا.
©جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
mohsenhedili2@gmail.com
تعليقات
إرسال تعليق