عمارة القلب عمارة الانفتاح 8



عندما يصبح البيت نفسه بضاعة للعرض

بقلم: محسن الهذيلي

وكما شئنا أن نجعل ضيوفنا ينظرون إلى بيوتنا في الداخل من خلال الأثاث الذي يملأها وكل الديكور الذي اخترناه لها، فإن الفلسفة نفسها سوف تتحكم في اختياراتنا فيما يخص الخارج والصورة البرانية للبيت، وذلك من خلال جعل بيوتنا تبدو لمن يراها من خارج شيئا مبهرا وثمينا ونادرا.
فالنوافذ الزجاجية الواسعة التي تنظر نحو الطريق العام، والتي لا تفتح أبدا، لأسباب اجتماعية وبسبب التلوث وضجيج السيارات، باتت السمة البارزة في بيوتنا اليوم. بل إننا لا نكتفي بذلك، بل نزيد عليه بوضع الستائر الباهضة الثمن عليها، وكل ذلك دون التفكير في معضلة الحرارة التي لا تحتمل.
وفي نفس اتجاه التباهي والتظاهر فإننا نقوم أحيانا، أثناء الليل، باستغلال تلك النوافذ الزجاجية الوسيعة، فنؤثث للمارة الأغراب إحدى أهم غرفنا المطلة على الشارع، وذلك بأفضل ما عندنا من أثاث، ونقوم بإضاءتها إضاءة فنية مميزة ثم نُحَرِّمُهَا على أنفسنا. وإنما نريد من ذلك أن نطلع أولئك المارة على ما عندنا من ديكور وأثاث داخلي مبهر ليتعرفوا على مدى قدراتنا وإمكاناتنا المادية وحسن ذوقنا.
ولن يحرم أصحاب البيت أنفسهم من تلك الفرصة من عيش بيتهم منذ الطريق، فيخرجون أمامه ويتطلعون إليه مثل الأغراب ليروا الصورة الخارجية التي يمنحهم بيتهم إياها. وسيفرحون بالتأكيد وسوف يهنؤون أنفسهم عندما يجدونه مبهرا منذ الشارع ومتميزا.
إنها الغربة على الذات والحياة والبعد عن العمارة الانسانية المعاشة أيضا.

©جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
mohsenhedili2@gmail.com

تعليقات