بقلم: محسن الهذيلي
غرفة جلوس/ داخلي/ نهار
الشقيق الأصغر عمار
(5 سنوات)، الشقيق الكبير أحمد(15 سنة)، الشقيقة الصغرى فاطمة (3 سنوات)، الشقيقة
الكبرى عائشة (13 سنة)، الشقيق الأكبر محمد (17 سنة)
يجلس الأشقاء الخمسة في غرفة الجلوس، هناك
من يقرأ كتابا وهناك من انكب على القيام بواجباته المدرسية وهناك من يلعب بينما
فتح الشقيق الأكبر محمد حاسوبه وهو يعمل عليه.
عمار:
-
(مخاطبا شقيقه أحمد همسا كي لا يشوش على باقي إخوته) لماذا كل شيء
تغير في هذا البيت؟! هل كل هذا بسبب كورونا؟!
أحمد:
-
(وهو يريد مواصلة اشتغاله على ورقة "سودوكو" ولا يريد من
شقيقه أن يقاطعه) وما الذي تغير في البيت؟
عمار:
-
كل شيء...
أحمد:
-
(غير راغب في الحديث لأنه مشغول) مثل ماذا؟
عمار:
-
مثل كل شيء... ألم تلاحظ أننا لم نعد نذهب إلى المدرسة؟!
أحمد:
-
ألا تحب أن نبقى في البيت؟ ألم تكن تكره الذهاب إلى المدرسة وتخير
البقاء مع أمي؟
عمار:
-
كان ذلك في السنة الفارطة وليس هذه السنة، فمدرستي السيدة عبير تحبني
وأحبها...
أحمد:
-
(لا يريد أن يولي اهتماما للحوار فكل تركيزه على لعبة السودوكو)
ولماذا تحب المُدَرِّسَة عبير ألأنها جميلة؟
عمار:
-
هي جميلة جدا ولطيفة معنا، تقول لنا دائما: من لا يريد أن يعمل يأخذ
تمرة واحدة ومن يعمل جيدا يأخذ في نهاية الدرس تمرتين...
أحمد:
-
وهل أصبحت تحب التمر؟!
عمار:
-
ولكن التمر الذي تقدمه لنا المعلمة عبير مختلف...
أحمد:
-
مختلف عن التمر الذي يأتينا من واحة جدي؟! هل هناك تمر أطيب من تمر
جدي الطاهر؟!
عمار:
-
لم أقصد ذلك، ولكن تمر المعلمة عبير عندما نأكله في آخر الدرس نحتفظ
بالنواتات في علبة صغيرة خاصة بكل واحد منا وعندما يبلغ النصاب واحد وعشرون نواة
يحصل التلميذ على هدية...
أحمد:
-
ولماذا واحد وعشرون بالضبط؟!
عمار:
-
لأنها تساوي سبعة في ثلاثة والأستاذة عبير تحب العدد سبعة...
أحمد:
-
(الذي لا يريد أن يركز على الحوار ومهتم بلعب السودوكو) ولماذا العدد
سبعة؟
عمار:
-
تحبه لأن السموات سبعة... ولكن ليس هذا هو المهم...
أحمد:
-
وما هو المهم إذن؟!
عمار:
-
الهدية...
أحمد:
-
وما بها الهدية؟!
عمار:
-
هدية السيدة عبير التي حببتني في المدرسة...
أحمد:
-
أليست كتابا؟
عمار:
-
لا، ليست كتابا، ولا لعبة، إنها شيء آخر...
أحمد:
-
(دون تركيز) وما هو هذا الشيء الآخر؟
عمار:
-
هل تعرف السيدة زاهية؟
أحمد:
-
ومن هي السيدة زاهية؟
عمار:
-
إنها مساعدة السيدة عبير في الفصل وهي التي تأخذنا عند انتهاء الدروس
إلى موقف السيارات لنجد أولياءنا...
أحمد:
-
وما دخل السيدة زاهية في الهدية...
عمار:
-
(يضحك سعيدا) لأن الهدية أن لا تأخذني السيدة زاهية إلى السيارة...
أحمد:
-
ومن يأخذك إذن؟!
عمار:
-
(يواصل ضحكه سعيدا) السيدة عبير... تمسكني من يدي وحدي دون باقي
الزملاء وتحدثني أثناء الطريق وعندما نصل عند شجرة الجوز، هل تعرف شجرة الجوز...؟
أحمد:
-
في المدرسة خمس أشجار جوز...
عمار:
-
الأقرب إلى الحضانة، وفي الطريق إلى موقف سيارات الأولياء...
أحمد:
-
وما بها هذه الشجرة؟
عمار:
-
دائما عندما نصل عندها أنا والسيدة عبير تأخذ لنا بهاتفها صورة تذكرية
ونحن نبتسم...
أحمد:
-
وهل يعجبك ذلك؟
عمار:
-
كثيرا جدا...
أحمد:
-
ولماذا؟
عمار:
-
لأنه يجيئني إحساس غريب جدا...
أحمد:
-
وما هو هذا الاحساس الغريب؟
عمار:
-
لا أعرف بالضبط... ولكنه جميل
أحمد:
-
(وهو مركز على السودوكو) كيف لا تعرف؟ ألم تحسه من قبل؟
عمار:
-
ربما أحسسته مع جدي عندما يأخذني أصلي معه صلاة العشاء...
أحمد:
-
ولماذا صلاة العشاء؟
عمار:
-
لأنه عندما يأخذني معه إلى صلاة الجمعة يكون هناك كثير من الأطفال...
أحمد:
-
وما بهم الأطفال؟ ألا تحبهم؟
عمار:
-
أحبهم...
أحمد:
-
أين المشكلة إذن؟
عمار:
-
في صلاة العشاء لا يوجد أطفال أو يوجد عدد قليل جدا فأحس نفسي مع
الكبار فقط...
أحمد:
-
وهل يعجبك هذا الاحساس؟
عمار:
-
يعجبني كثيرا جدا...
أحمد:
-
لماذا؟!
عمار:
-
أحس أني رجل...
أحمد:
-
هل تحب أن تكون رجلا؟
عمار:
-
مثل أبي وجدي؟ نعم...
أحمد:
-
(مركز على مشكلة طرأت عليه مع السودوكو، لذا لا ينبس بكلمة)
عمار:
-
أحمد...
أحمد:
-
(متضايق قليلا) ماذا؟
عمار:
-
لماذا لم يعد جدي يذهب إلى الجامع، هل هو مريض
أحمد:
-
لا، هو ليس مريضا ولكننا نخاف عليه المرض...
عمار:
-
تقصد كورونا؟!
أحمد:
-
نعم
عمار:
-
وكيف هي كورونا هذه؟! هل تبقى في الخارج عندما نقفل عليها الباب؟!
أحمد:
-
كيف؟
عمار:
-
لماذا يقفل الباب دائما على جدي وجدتي ولماذا أصبحا يعيشان في غرفة
أبي وأمي؟
أحمد:
-
(لا يجيب)
عمار:
-
(همسا) أحمد...
محمد:
-
(وقد أحس أن الحوار بين شقيقيه قد بلغ مبلغا مهما وأن شقيقه أحمد لم
يعد مهتما بمواصلته، فتدخل بنفسه) لأنها الغرفة الوحيدة التي بها حمام ولا نريد أن
يغادر جدي وجدتي الغرفة...
عمار:
-
(سعيد لأن شقيقه الأكبر قد أولى اهتماما لهواجسه) وهل ذلك بسبب
كورونا، وهل هي موجودة معنا هنا في المجلس...
محمد:
-
هذا محتمل جدا لأن والدي يدخل ويخرج علينا وفي الخارج يمكنه أن يحمل
كورونا ويأتينا بها إلى البيت...
عمار:
-
ولماذا أصبح أبي يبيت في غرفة جدي وأمي تنام معي؟
محمد:
لأن أمي
هي الوحيدة التي تدخل وتخرج على جدي وجدتي ولا نريدها أن تحمل لهما الفيروس الذي
يمكن أن يحمله أبي من الخارج...
عمار:
-
ولماذا أمي وحدها من يرى جدي وجدتي، أنا أيضا أحب أن أراهما ولو أنني
أحب أن أنام في حضن أمي أيضا...
محمد:
-
عليك أن تختار بين حضن أمي وحضن جدتي...
عمار:
-
أحب الاثنين... أليس ممكنا؟
محمد:
-
ممكن جدا ولكن ليس الآن...
عمار:
-
متى إذن؟!
محمد:
-
عندما تذهب عنا كورونا...
عمار:
-
وهل سنرجع بعد كورونا كما كنا؟!
محمد:
-
سنرجع كما كنا بالضبط...
عمار:
-
بالضبط؟! حينئذ سأنام مع جدتي وأمي ستنام مع أبي في جناحهما...
محمد:
-
نعم...
عمار:
-
إذن لن يكون هناك حضنان للنوم... أنا أحب أن أنام ليلة في حضن جدتي
وليلة في حضن أمي...
محمد:
-
هذا ليس ممكنا الآن ولكن عندما تذهب عنا كورونا سوف نتحدث في الأمر...
عمار:
-
هل تظن أن أمي ستتبدل وتقبل بأن أنام في حضنها ليلة كل ليلتين؟
محمد:
-
لما لا... سوف نرى
عمار:
-
وهل سأرجع أذهب أحيانا إلى صلاة العشاء مع جدي؟
-
بالتأكيد.
عمار:
-
وهل سأرجع أجمع في المدرسة الإحدى وعشرين نواة تمر كي أخرج مع السيدة
عبير ونتصور تحت شجرة الجوز في المدرسة؟
محمد:
-
نعم.
عمار:
-
ومتى سيكون ذلك؟ هل بعد شهر عندما تنتهي عطلة المدرسة؟
محمد:
-
ربما قبله وربما بعده، كي تعجل بذلك عليك بالدعاء إلى الله...
عمار:
-
وبماذا أدعو الله؟
محمد:
-
بكل ما تريده...
عمار:
-
إذن سأطلب من الله أن نرجع أفضل مما كنا وأن أنام ليلة في حضن أمي
وليلة في حضن جدتي وأن أذهب أحيانا مع جدي إلى المسجد لصلاة العشاء وأن نعود إلى
المدرسة لأجمع الإحدى وعشرين نواة تمر فتأخذني السيدة عبير بنفسها إلى السيارة وتتصور
معي تحت شجرة الجوز...
محمد:
-
هل هذا كل ما ستدعو الله به؟
عمار:
-
نعم...
محمد:
-
وكورونا؟ ألا تدعو الله أن ينجينا منها...
عمار:
-
إن رجعت أنام ليلة في حضن أمي وليلة في حضن جدتي وأذهب مع جدي أحيانا
إلى صلاة العشاء ورجعت إلى المدرسة لأجمع الاحدى والعشرين نواة تمر فأخرج إلى
السيارة مع السيدة عبير ونتصور تحت شجرة الجوز، حينئذ لا يهمني من كورونا أبقيت أم
رحلت...
(تمت)
©جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
mohsenhedili2@gmail.com
تعليقات
إرسال تعليق