بقلم: محسن الهذيلي
1- غرفة للجلوس/ داخلي/
نهار
الأب، الأم، الإخوة
وهم ثلاث صبيان وأربع صبايا أكبرهم جميعا البنت حليمة وهي في السابعة عشرة من
العمر والتحقت بالسنوية العامة هذه السنة.
الأب:
-
خوفا على جدتكم من كورونا سوف تبقى في غرفتها لا تغادرها
سلمى
(سبع سنين)
-
لا تغادرها أبدا؟! ألا تأكل؟!
الأم:
-
كيف لا تأكل؟ بل تأكل كعادتها ولكن في غرفتها، سوف ندخل لها الطعام في
وقته...
سالم (6
سنين):
-
أريد أن أكون مع جدتي في غرفتها، لا أستطيع النوم بدونها...
الأب:
-
حليمة هي التي ستكون معها، كي تؤنسها وتقوم على خدمتها وتقديم الطعام
إليها وترتيب غرفتها...
فاطمة
(11 سنة):
-
والتحضير للسنوية العامة ماذا تفعل معه؟!
الأم:
-
على العكس، سوف يساعدها اعتكافها مع جدتها على العمل أكثر، ستكون في
خلوة تقريبا...
فاطمة:
-
وأنا من يساعدني في دروسي؟ حليمة هي مدرستي في البيت...
الأم:
-
هذا ظرف استثنائي ولابد أن نحذر من كورونا على جدتك، أما بالنسبة
لمراجعاتك سوف أساعدك بنفسي بما أني في البيت الآن...
سالم:
-
وأنا من يساعدني على النوم، لا يحلو لي النوم إلا في حضن جدتي، ولها
عديد الحكايات التي تحكيها لي...
الأم:
-
ستنام في حضني وسأروي لك حكايات جميلة سوف تحبها...
سالم:
-
(ينهض ويجلس في حجر أمه)
علي (5
سنوات):
-
(ينهض بدوره ويزاحم شقيقه سالم على حجر أمه ويجلس على إحدى فخذيها)
مريم (3
سنوات):
-
(تنهض وترتمي في حضن أمها بين شقيقيها وتحاول إبعادهما)
ويضحك كل الباقين وخاصة الأم سعيدة.
2- غرفة الجدة/ داخلي/
نهار
الجدة (في السبعينيات
من العمر)، حليمة (17 سنة)
حليمة:
-
(بعد أن كانت منكبة على الدرس، ترفع رأسها تنظر في اتجاه جدتها وهي
تسبح، تبتسم إليها وتقول) درس التاريخ دائما لا أستوعبه تماما إلا بعدما أتحدث
معك...
الجدة:
-
ولكنني لست أستاذة في التاريخ، رغم أني حلمت في صغري أن أكون عالمة
بتاريخ بلادنا وكل التاريخ الإسلامي...
حليمة:
-
ولكنك عالمة بالقرآن يا جدتي، أما بالنسبة للتاريخ فإنني لا أفهم
تاريخ بلادنا إلا بعد أن أتحدث معك فيه...
الجدة:
-
أنت تسألينني عن حياتنا اليومية كيف كانت وهذا ليس التاريخ الذي يكتب
عنه المؤرخون...
حليمة:
-
ولكن على ضوئه نفهم التاريخ المكتوب أكثر، وأنت لك علم كبير في تاريخ
الحياة اليومية للناس عندما كنت صغيرة...
الجدة:
-
كلامك صحيح جدا يا ابنتي المجتهدة، وهذا ما يفسر لنا تبدل الأفكار من زمان إلى زمان. في وقتي كانت هناك أفكار أصيلة
وثابتة، كان الناس يؤمنون بها إيمانا راسخا ولكننا لم نعد نجدها اليوم. أما كيف
نفهمها الآن؟ فلابد أن نتعرف على التفاصيل اليومية لحياة الناس في ذلك الوقت.
حليمة:
-
(متحمسة) مثل ماذا يا جدتي؟
الجدة:
-
أشياء كثيرة جدا، منها العلاقة بين الزوج وزوجته. أنت الآن أصبحت صبية
ونحن ننتظر الفرصة المناسبة لنزفك...
حليمة:
-
(مقاطعة) ولكنني يا جدتي لا أحب الزواج الآن، أريد أن أكمل السنوية
العامة ثم دراستي الجامعية وبعدها يمكنني أن أتزوج...
الجدة:
-
(ضاحكة وسعيدة) هذا مثال للأفكار التي تغيرت بين زماني عندما كنت
صغيرة وزمانكم هذا، في وقتي عندما تبلغ الفتاة الاثنا عشر سنة يبدأ الناس في خطبتها،
وهي تشعر بالسعادة لذلك...
حليمة:
-
أي سعادة يا جدتي وهي لا زالت طفلة صغيرة...
الجدة:
-
(تضحك ملئ فيها) هذا هو الفرق، في ذلك السن في ذلك العصر، لم تكن
الفتاة تشعر وهي في الرابعة عشر مثلا أنها لا زالت صغيرة. تكون قد أصبحت مستعدة تماما
للزواج، لأن المجتمع يكون قد أعدها لتصبح زوجة منذ سن الثانية عشر كما قلت لك.
وعندما تكون غير مستعدة بعد، فإنها تكمل استعدادها في بيت عائلة زوجها، لأن الناس
وقتها كانوا يعيشون مع بعضهم. لم يكن الأزواج الجدد يسكنون منفصلين عن عائلاتهم
أبدا...
حليمة:
-
وأنت جدتي، كم كان عمرك عندما تزوجت؟
الجدة:
-
أنا؟! (مع إحساس بالفخر) جدتك بدأ الناس يخطبونها وهي في التاسعة...
حليمة:
-
(وقد فاجأها الجواب) في التاسعة يا جدتي؟ ألم تتزوجي في الرابعة عشر؟
أمي قالت لي ذلك...
الجدة:
-
هذا صحيح، وهنا يأتي دور أسلوب الحياة وتأثيره في مصائر الناس، الآن
أنتم تلتحقون بالجامعة أما نحن في ذلك الزمان كنا نحفظ القرآن الكريم ونتعلمه
ونتعلم الخط أيضا...
حليمة:
-
إنه التاريخ يا جدتي، هذا هو التاريخ الحي الذي أحب السماع والقراءة
عنه. كيف تأخر سن زواجك لأنك كنت تدرسين القرآن؟
الجدة:
-
كنا عندما تبلغ الفتاة سن السابعة والثامنة تبدأ في تعلم الصناعات،
النسيج، الخياطة، التطريز وغيرها من الصناعات الخاصة بالنساء. بعدها ترسل لتعلم
الكتابة وحفظ بعض سور القرآن الكريم، ودروس القرآن الكريم هي وحدها ما يستطيع أن
يؤخر عمر زواج الفتاة...
حليمة:
-
(متلهفة) وكيف ذلك يا جدتي؟!
الجدة:
-
إن ظهر أن الفتاة متميزة وصاحبة حافظة قوية...
حليمة:
-
(مقاطعة) ألا يعجل ذلك في إكمالها الحفظ قبل غيرها وبالتالي يقلل
عمر زواجها...
الجدة:
-
(تضحك ملئ فيها سعيدة) يا عزيزتي حليمة، ليست كل البنات في ذلك الوقت
يستطعن حفظ القرآن وتعلم كتابته وتفسيره، إلا النوابغ وحدهن يستطعن ذلك...
حليمة:
-
(مازحة) هل تعتبرين نفسك نابغة يا جدتي؟
الجدة:
-
في سن الثامنة والتاسعة، كان عقل جدتك مثل الاسفنجة يمتص العلم
امتصاصا.
حليمة:
-
وأنت تحفظين القرآن الكريم وتتعلمين الخط ألم يأتي أحد لخطبتك...
الجدة:
-
كانوا يأتون إلى بيتنا يوميا، لأنه حتى الذين لم يكونوا يعرفونني
باتوا يعرفونني لأنني أصبحت أخرج يوميا إلى بيت المعلمة للقرآن الكريم. وكان في
الطرف الآخر من البلدة. أي أنه كان علي أن أقطع كل البلدة. وكان الناس يسألون
ورائي: من هذه؟ وكنت أسمع آخرين يردون: "إنها فاطمة بنت الشيخ عمر الذي يدرس
الطلبة في الجامع"
حليمة:
-
إذن كيف لم تتزوجي يا جدتي في سن أقل من أربعة عشر سنة، بما أنهم بدأوا
يخطبونك في التاسعة؟!
الجدة:
-
عندما اكتشفت الشيخة التي كانت تحفظني القرآن أني اسفنجة أرسلت لوالدي
بأن لا زواج قبل إكمال حفظ كتاب الله العزيز...
حليمة:
-
وهل قبل أبوك؟!
الجدة:
-
لقد سعد سعادة كبيرة، لا تنسي أن أبي كان من العلماء، وفي ذلك الوقت
كان نادرا أن تكمل النساء حفظ كتاب الله، لقد كنت من القلائل جدا...
حليمة:
-
وفي كم سنة أكملت حفظ القرآن الكريم يا جدتي؟
الجدة:
-
بدأت الحفظ في سن الثامنة وانتهيت منه في العاشرة، لقد أخذ مني سنتين
فقط...
حليمة:
-
هكذا كان يمكنك أن تتزوجي في سن العاشرة يا جدتي، ما الذي جعلك
تنتظرين أربع سنين...
الجدة:
هنا تأتي
خصوصية المجتمع ودور علمائه والمؤثرين فيه. يوم أكملت حفظ كتاب الله، يومها فقط
رأيت شيختي...
حليمة:
-
ماذا؟! أين كانت قبل ذلك؟! ومن حفظك القرآن إذن؟!
الجدة:
-
عندما كنت أذهب إلى بيت شيختي لم أكن أراها أبدا...
حليمة:
-
كيف أمكنك حفظ القرآن الكريم في سنتين بدون شيخة؟!
الجدة:
-
كان بيت شيختي عبارة عن فناء ومجلس ينتهي إلى غرفة داخلية تجلس فيها
الشيخة. ولم أكن أراها في البداية أبدا. وفي المجلس كنت أجلس مع فتاة في عمري
تقريبا وهي إحدى حفيدات شيختي. كانت هذه الفتاة تعلمني القراءة والكتابة وتحفظني
القرآن الكريم. وكانت، وهي في سني أو تزيد علي بسنة أو سنتين فقط، تضربني أحيانا
بالعصا رغم إنها تعلم جيدا. ويقال عنها في قريتنا إنها حفظت القرآن الكريم كاملا
وهي في سن الثالثة أو الرابعة.
حليمة:
-
(مستغربة) كيف ذلك يا جدتي؟! وهل هذا ممكن؟!
الجدة:
-
لا أعرف ولكن عندما تراها تدرس تتعجب، إنها تحفظ القرآن بالحروف وهي
تعربه كاملا. لقد كانت نابغة ولكنها كانت تضرب لذا لم أكن أحبها وكنت أتصارع معها
كثيرا. وكانت تغلبني في المصارعة دائما. لأنها وهي تصارعني تقرأ القرآن الكريم،
فيبهرني ذلك منها وأستسلم لها، ولكنني لم أكن أرضى بهزيمتي، فتحديت نفسي أن أحفظ
القرآن الكريم بسرعة وأن أصارعها وأنا أقرأ القرآن مثلها فأتقوى به، ومنذ الأشهر
الأولى بدأت وأنا أصارعها أقرأ ما حفظته حتى ذلك الحين. بعد سنتين أخذ صراعنا شكلا
جديدا. تصارعني فتبدأ بقراءة البقرة فأقرأها وراءها، تغير إلى آل عمران فأغير
معها، تتخطى إلى سورة الحديد فأغير إليها، ترجع إلى الكهف فأرجع معها. بعدها توقفت
عن ضربي ومصارعتي وقالت لي: لابد أن تتعلمي الإعراب. قلت لها: إن كنت أنت من
سيعلمني الإعراب فلا أريده؟ وفي هذه اللحظة سمعت صوت شيختي من داخل الغرفة لأول
مرة، كنت قد شككت حتى أنها موجودة أصلا. نظرت إلى وجه مدرستي الصغيرة، فقالت لي:
هي من سيعلمك.
حليمة:
-
ولماذا تعلم الإعراب يا جدتي... إني أجده صعبا جدا...
الجدة:
-
لأن الإعراب يا بنيتي باب التفسير. ولن تتقن اللغة العربية دون إتقان
النحو والصرف والإعراب ولن تفهم أو تفسر القرآن الكريم دون تعلم اللغة العربية
تعلما جيدا.
حليمة:
-
وهل رأيت شيختك أخيرا؟!
الجدة:
-
دخلت لأول مرة إلى غرفتها فانبهرت...
حليمة:
-
ما الذي أبهرك يا جدتي؟! هل كانت جميلة؟
الجدة:
-
كان يجللها نور العلم والمعرفة، ولكن ليس هذا ما أبهرني، فقد كانت
امرأة عجوز وبسبب السن فقدت بصرها أو تكاد، ولكنها لم تفقد من كمال عقلها شيئا...
حليمة:
-
ما الذي أبهرك إذن يا جدتي؟ أخبريني من فضلك...
الجدة:
-
لقد أبهرني جمال الغرفة وأثاثها وخاصة نظافتها...
حليمة:
-
وكيف ذلك يا جدتي؟!
الجدة:
-
كانت الغرفة مزينة بشتى أنواع المصابيح والشمعدانات والأطباق والصحون
الصينية الجميلة وكانت كلها موضوعة في الطاقات أو معلقة في السقوف أو على
الجدران... ولم أفهم من أين جاءت كل تلك التحف والنوادر. لقد ظننت نفسي في دكان في
سوق في البصرة في زمن سندباد. ولكن كما قلت لك ليس هذا ما أبهرني وحسب وإنما
أبهرتني نظافة الغرفة والتحف التي تؤثثها. فشيختي امرأة عجوز وقد فقدت جل بصرها
تقريبا والفتاة التي معها مجنونة بالقرآن والتدريس وكل الوقت وهي تعلم الأطفال...
حليمة:
-
وهل عرفت السر يا جدتي...؟
الجدة:
-
طبعا عرفته وفي ذات اللحظة...
حليمة:
-
هل سألتها وأجابتك؟
الجدة:
-
لا
حليمة:
-
كيف عرفت إذن؟!
الجدة:
-
لقد طلبت مني أن أقرأ القرآن الكريم كي تتعرف على مدى إتقاني لحفظه،
سألتها أي سورة؟ قالت: ابدئي بالفاتحة وانتهي بالناس. لقد طلبت مني قراءة كل
القرآن الكريم. بدأت أقرأ فإذا بها توقفني وتشير إلى صندوق في إحدى زوايا الغرفة
به قطع من القماش وتقول لي: وأنت تقرئين امسحي كل ما في الغرفة مسحا جيدا وسيكون
اتقانك للمسح بقدر اتقانك للحفظ. ووجدت نفسي يوما كاملا وأنا أقرأ القرآن الكريم
وأمسح.
حليمة:
-
لابد أنك أنهكت يا جدتي...
الجدة:
-
في الحقيقة كنت قد تعلمت من معلمتي الصغيرة أثناء المصارعة أن أقرأ
القرآن وأنا أفعل شيئا آخر. كما استمتعت بجمال تلك الأواني والمصابيح...
حليمة:
-
وماذا حدث بعد ذلك يا جدتي؟
الجدة:
-
عندما تأكدت الشيخة من حفظي الجيد جدا للقرآن الكريم، نهضت ونادتني أن
أقف بين يديها ثم تلمست رأسي وانحنت عليه قبلته.
حليمة:
-
هذا رائع، وبماذا أحسست حينئذ يا جدتي؟ هل فاجأك ذلك؟
الجدة:
-
لم أفكر في شيء من ذلك، وإنما كنت منشغلة بعطر الشيخة. لقد كان طيبا
بشكل لا يتخيل. وإذا بالشيخة تسألني: هل أعجبك العطر؟ سألت هكذا دون تفكير: أي
عطر؟ قالت: العطر الذي علي... قلت: أعجبني كثيرا، قالت: هل تريدين منه؟ قلت: نعم.
قالت: إذن عليك أن تتعلمي علوم القرآن الكريم وأن تعلميه بعد ذلك. ثم طلبت مني أن
آخذها إلى بيتنا. وهناك عرفت أسرارا أخرى...
حليمة:
-
وما هي هذه الأسرار يا جدتي؟! أخبريني بها من فضلك...
الجدة:
-
كنا نمشي في الطريق ويأتي الرجال والنساء يقبلون يدها، ثم عندما وصلنا
إلى بيتنا لم أكن أنتظر أن يفعل أبي مثلهم، لقد انحنى وأخذ يدها الصغيرة وقبلها،
فقالت له: إن ابنتك ستبقى معي ثلاث سنين أو أربع تتعلم فيها علوم القرآن وستتفوق
عليك فيها بالتأكيد والآن أريد هديتي، أكثر شيء في البيت تتعلق به نفسك. قال
والدي: سيف أبي...، قالت: لا آخذ السيوف، إنها للجهاد، قال: مخطوط للقرآن الكريم،
قالت: لا آخذه، القرآن في قلوبنا. قال: مصباح من نحاس أصفر اشتريته من الهند.
قالت: أرسله إلي غدا مع ابنتنا.
حليمة:
-
وما هذا المصباح يا جدتي وهل كان جميلا حقا؟
الجدة:
-
كان منقوشا نقشا جميلا وكان حين يشعله والدي يزخرف بأضوائه وظلاله كل
جدران المجلس. فينقلب مجلسنا مثل مجلس ملكي...
حليمة:
-
التحف التي في غرفة شيختك هي من عند أولياء طلبتها إذن؟
الجدة:
-
بالضبط.
حليمة:
-
إذن شيختك، يا جدتي، هي التي أخرت زواجك إلى الرابعة عشر؟
الجدة:
-
العلم كان دائما هو السبب الوجيه الذي يؤخر سن زواج العقلاء ولكن هناك
حدود يا بنيتي. فالفتاة والفتى لا يجب أن يتأخرا عن الزواج بحجة التعلم فوق سن
العشرين...
حليمة:
-
(مستغربة) العشرين يا جدتي، هذا قليل، الناس باتوا يتزوجون في
الثلاثين...
الجدة:
-
في رأيي وحسب ديننا يعتبر هذا ابتعاد عن السنة...
في هذه اللحظة يطرق الباب فتنهض حليمة
مسرعة وهي تقول:
حليمة:
-
حكاياتك الجميلة والطريفة، يا جدتي، تجعل الوقت يمر بسرعة. لقد جاءونا
بالغداء...
يفتح الباب فتظهر الأم بطبق الطعام.
الأم:
-
(دون أن تتخطى عتبة الغرفة ومخاطبة الجدة) أمي النساء يسألنك عن
محاضرات رمضان، هل يمكنك أن تسجليها في البيت وتضعيها على الإنترنيت، يمكنك أن
تقدميها على المباشر أيضا.
الجدة:
-
(تبتسم سعيدة) ربما تعينني حليمة في ذلك، ولو أنني أراها منشغلة كثيرا
بمذاكرتها...
حليمة:
-
بل سأساعدك يا جدتي، لن يأخذ مني ذلك وقتا طويلا...
الأم:
-
إذن سأبشرهن بالخبر السعيد وأسألهن أن يقترحن بعض المواضيع...
الجدة:
-
هذا جيد...
يقترب من الباب من جهة الخارج كل الأطفال
ويبدأ الصغار منهم يتزاحمون عليه كي يدخلوا ولكن الأم تمنعهم قائلة:
الأم:
-
ليس الآن يا أبنائي، ليس الآن... (ثم مخاطبة الجدة وحليمة قبل أن تغلق
الباب) كلا جيدا، لقد أعددت الطعام بنفسي... (ثم تغلق الباب)
الجدة وحليمة وهما تأكلان تكملان حديثهما:
حليمة:
-
(ضاحكة ومازحة) إذن تأخر سن زواجك يا جدتي إلى الرابعة عشر لأنك
انشغلت بتحصيل العلوم؟
الجدة:
-
في زماننا كما في زمانكم هذا، يا ابنتي، العلم وتحصيل العلوم هو ما
كان يؤخر زواج الفتى أو الفتاة، ولكن العلوم التي كنا نحصلها كانت نافعة لحياتنا،
إنها علوم القرآن والدين. كانت علوما تعلمنا ديننا وكيف نسعد في دنيانا وآخرتنا. يا
حبيبتي حليمة إنه لا يمكننا النجاح والسعادة في هذه الحياة بدون علوم القرآن
والسنة والإسلام. ولا زلت أتذكر آخر يوم رأيت فيه شيختي. لقد قربتني منها وقالت
لي: سأنصحك الآن نصيحة تنفعك عمرك كله...
حليمة:
-
وماذا قالت لك يا جدتي؟
الجدة:
-
قالت لي: إنك ستتزوجين قريبا وربما بعد أيام قليلة، فأنصحك ألا تنسي
ما تعلمته معي وأن تعيشي به في حياتك ولا تشغلي نفسك بغير الله. قلت لها: والزوج؟
إن مشاغله كثيرة... قالت: افعليها كلها وبإتقان تام ولكن ليس حبا أو طاعة لأحد
وإنما حبا وطاعة لله. وكما علمتك، قومي بواجباتك في بيتك وأنت تدرسين القرآن
وعلومه. ولا تنسي أبدا أن تفعلي كل شيء في الله. حتى حبك لزوجك وأبنائك اجعليه في
الله كي تنجحي. وحينئذ سيحفك الله وكل أسرتك بحبه ورحمته وسوف يعطرك بعطره...
حليمة:
-
ماذا عن العطر يا جدتي، لقد تذكرت عطر شيختك، هل رزقك الله تلك
الكرامة؟
الجدة:
-
هذا هو التاريخ يا ابنتي، وكيف إنه يتبدل، فشيختي عندما كانت تعبق
عطرا عجيبا في بلدتنا في ذلك الزمان، كان ذلك مبهرا بالنسبة للناس، لأن العطور
كانت نادرة وقتها أما اليوم فالعطور كثيرة والناس لا يستطيعون التفريق بين عطر
الله وعطر السوق. ولكن عطر الله باق وعطر السوق فان. أما بالنسبة لكرامات أولياء
الله يا ابنتي فإنها لم تنعدم أبدا حتى في زماننا هذا وإنما توقف أصحابها عن ذكرها
لأن الناس توقفوا عن رؤيتها والوعي والتصديق بها. الناس اليوم يا ابنتي يحبون
امتلاك الأشياء والكرامة لا يمكن تملكها هي تأتيك في الستر من عند الله وفي الوقت
الذي يختاره هو وحده ليثلج بها صدرك وصدر المؤمنين من حولك وهي ليست للتباهي أبدا،
وإن لم تذكريها لا يراها أحد ولا يتفطن لها إلا الراسخون في العلم...
حليمة:
-
جدتي أخبريني من فضلك، هل عرفت كرامات مثلما عرفت شيختك؟
الجدة:
-
من حديثي معك يا حفيدتي المجتهدة تعلمت أشياء كثيرة، وانتبهت إلى شيء
مهم كنت غافلة عنه، لذا قررت اليوم أن أبدأ في كتابة سيرتي الذاتية وستكون هذه
السيرة محاضراتي عبر الانترنيت خلال رمضان هذا العام. وأنا متأكدة أن من سيقرأ هذه
السيرة من المؤمنين سوف يتعرف على كثير من الكرامات في حياتي وحياة الراسخين في
العلم.
(تمت)
©جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
mohsenhedili2@gmail.com
تعليقات
إرسال تعليق