عمارة القلب عمارة الانفتاح 14: الجنة التي نريد أن نعود إليها..

 




بقلم: محسن الهذيلي

نأتي الآن إلى الحديث باختصار عن مواصفات الحديقة عندما تكون ضمن مدينتنا أو بيتنا. علما وأننا نريد من هذه الحديقة أن تذكرنا بالطبيعة البكر وبالتالي الجنة..

ولكن هل يمكننا أن نعيد إنشاء الطبيعة في بكريتها ضمن حديقة في مدينتنا أو بيتنا؟ ونحن نعلم أنه يحيط بها، أي مدينتنا، جو من التلوث الصوتي والهوائي وغيرهما.

في الحقيقة، يمكننا أن نقلد من الطبيعة في حدائقنا بعض عناصرها، مثل الأشجار والنباتات وربما أيضا جداولها وعيونها إن قلدناها في شكل نافورة أو ساقية أو قناة.

ولكن تبقى المشكلة الأكبر أننا لا يمكننا في حدائق داخل المدينة أن نعيد إنشاء خلفية غابات وحقول الطبيعة.

 فهذه الأخيرة في بكريتها ليست أشجارا ونباتات فقط بل هي أيضا هواء عليل وأصوات لا تخدش الآذان بل تمتعها. وفي الطبيعة تكون الأصوات دائما ضمن خلفية هادئة وسليمة لا يشوبها شيء. وعلى هذه الخلفية تتدلى تلك الأصوات الطبيعية التي نعرفها، مثل خرير الماء وحفيف أوراق الأشجار وزقزقة العصافير وكذلك أصوات باقي الحيوانات..

ولكن ليس هذا وحسب، وإنما هناك سر آخر عجيب يمكننا أن نصنفه ضمن أصوات الطبيعة البكر، وهذا الصوت يعرفه كل من تعود على زيارة الحقول والجبال البعيدة عن المدينة ولوثتها. فهناك يمكننا أن نسمع أصواتا خافتة تأتينا من بعيد جدا، ويكون لها في آذاننا نكهة عجيبة تجعلنا نعي امتداد المكان الذي نحن فيه ونشعر بقدرتنا على أن نعيشه في كامل اتساعه ولو من خلال حاسة السمع. ولكن ليست وحدها، نفس الشيء يمكنه أن يتحقق من خلال عطر المكان. حيث تصلنا بفضل طهارة الهواء عطور خاصة، تقدم علينا من بعيد، مثل رائحة خبز يطبخ في بيت نراه بعيدا جدا أو لا نكاد نراه.

وأقوى ما تعكسه هذه الأصوات وتلك الروائح هي الخلفية الصافية والهادئة والمطمئنة التي لا نجدها إلا في الطبيعة البكر. وهي منعشة جدا وقادرة على إعادة الحياة والسؤدد للنفس والروح، والمختصون يقولون إنها تبعد الكآبة عن النفس الإنسانية.

هذا الجو "الطبيعي" وهذه الخلفية الهادئة والطاهرة للحقل أو الغابة لا يمكننا أن نعيد إنشاءها أو تصميمها في حدائقنا، ولا يمكننا بلوغها إلا بالذهاب إليها وهي ضمن الطبيعة البكر.

أما في المدينة وخاصة عندما تكون كبيرة وملوثة، فإن الهروب منها إلى حديقة أو منتزه داخلها يمكن أن يجعلنا نلتقي ببعض عناصر الطبيعة مثل الأشجار والزهور وبعض العصافير وربما الحيوانات الصغيرة إلا إن الجو فيها لن يكون "طبيعيا" تماما. فضوضاء المدينة لابد أن تبلغ إليها وكذلك تلوث هوائها.

نفس الشيء يحدث مع حديقة بيتنا، ورغم ذلك فإنه يمكننا أن نجتهد فيها كي تكون أطهر ما يمكن وأبعد ما يمكن عن تلوث المدينة الصوتي والهوائي وغيره. وفي هذا الاتجاه يكون لموقع الحديقة من البيت أهمية كبرى. فإن أردنا أن نختار لها من بيتنا مكانا مناسبا نحميها فيه مما يحيط بالبيت من أسباب ذلك التلوث، فإننا لن نجد أفضل من المكان الذي كان يتربع فيه الفناء أو الحوش في عمارتنا المتوسطية التقليدية وفي غيرها من العمارات التقليدية الأخرى..

كما يمكننا أن نصمم إن شئنا حديقة-فناء تكون في وسط البيت وتحيط بها غرفه كي تبعد عنها شيئا من التلوث والضوضاء وتنعم بالتالي بهدوئها وصفائها. وبينما تفتح أشجار الحديقة أحضانها لاستقبال العصافير وملئها بزقزقتها يسمح الفناء أو السطحة التي حذوها بالجلوس وربما القيام ببعض شؤون البيت في جو قريب من أجواء الطبيعة البكر التي تذكرنا دائما بالجنة التي نريد أن نعود إليها..

(يتبع)

©جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
mohsenhedili2@gmail.com
©حقوق التصوير محفوظة للمصور نبيل الرواحي

nalrawahi@hotmail.com

تعليقات