هل يمكننا أن نسعد بعيدا عن الله؟

 


بقلم: محسن الهذيلي

 

كل الملحدين يرون أن الدين وفكرة الله هي لإلهاء الناس عن حياتهم وهي وجدت من أجل تبرير النقص والضعف الذي يرزحون تحته ولكي يستسيغوا مآسيهم التي يعيشونها في الدنيا. لذا قال شيخ الملحدين ماركس: "الدين أفيون الشعوب"، أي إن الدين صنع بهدف تخدير الناس وتنويمهم وإبعادهم عن أن يفكروا في حياتهم وفي مصالحهم أثناء عمرهم المحدود الذي يعيشونه.

ويمكننا أن نلاحظ من خلال أقوال كل هؤلاء الماديين والملحدين أن في الحياة الدنيا كما يسميها الدين مآسي ومظالم ونواقص، وأن على الإنسان السعي للتغلب عليها ولذا فإن عليه ألا يشغل نفسه بغيرها.

ولكن فكرة نواقص الحياة ومآسيها ومشاكلها لم تنقضي مع ماركس وقبله وبعده وإلى الآن. أي أن الناس بقوا يعانون من سلبيات ونواقص هذه الحياة الدنيا رغم نضالاتهم ومحاولاتهم. بل إن إنسان القرن الواحد العشرين ربما يكون أقل سعادة من إنسان القرون الفائتة إن نظرنا إلى المسألة من زاوية الراحة النفسية والتوازن العائلي والاجتماعي.

بل إننا حتى إن نظرنا إلى أولئك الذين يمكن أن نعتبرهم محظوظون ويعيشون مستوى معيشي عالي فإننا من خلال بعض تفاصيل حياتهم لا يمكننا أن نعتقد بأنهم سعدوا، فكيف يمكننا أن نعتبرهم كذلك وهم يتعاطون الخمور أو المخدرات إلى الحد الذي يفقدون معه حتى وعيهم؟ فيقومون بأعمال مزرية تنم عن حالة من التعاسة وفقد الإحساس بالذات، وقد يبلغ ببعضهم ضنك الحياة النفسية التعسة واليائسة والقانطة حد القذف بنفسه في غياهب الانتحار. والأرقام تؤكد لنا ذلك، حيث تشير إلى أن أقل نسب الانتحار هي في البلدان التي لا زال الدين فيها قويا ومرجعيا.

إذن ماذا يربح المؤمن من الدين ومن إيمانه بالله؟ إنه يربح كل شيء بما في ذلك هذه الدنيا. وأذكر أحد الحكماء الذي فاجأني بقوله مرة: "وكيف يمكن للإنسان أن يستطعم الطعام إن كان غير مطمئن في نفسه؟!".

-         ما الحل إذن سيدي؟

-         الحل بسيط إن اخترنا التسليم والتواضع...

-         وكيف ذلك؟!

-         أن تقطع منابع الحزن والخيبة في نفسك..

-         وما السبيل؟

-         لابد أن تعمل على أن يتوقف قلبك عن التعلق بهذه الحياة، أعرف أن ذلك ليس سهلا، لأن الناس إنما يختبرون ويمارسون ويتحسسون هذه الدنيا، فيتعلقون بها، ولكن لا يوجد حل غيره، لذا تعلم أن تقول لقلبك: "إن الحياة الحقة هي في الطرف الآخر من العمر، أي في الآخرة، حيث لا حدود لأنعم الله وبركاته. لأن الله عندما خلق الحياة خلقها هناك وليس هنا وكل ما نراه في هذه الدنيا إنما يبدو لنا على أنه حياة بينما هو خيال لتلك الحياة التي تقف بحقيقتها بعيدا عنا، أي أن ما نجده بين أيدينا يشبه الصورة التي نراها من خلال نافذة زجاجية عظيمة تفصلنا عن الآخرة، وهذا الفصل ضروري ولا مهرب منه، لأنه من طبيعة هذه الحياة الدنيا، ثم إن امتحان الله لنا هو هذا، أن ترى الحياة ولا تستطيع الإمساك بها مهما حاولت ومهما اعتقدت أنك فعلت، وتنتبه في كل مرة أنك تتوهم، وذلك عندما يصدمك ذلك الزجاج السميك. نعم يمكنك أن تنعم بوقت الدنيا وتطمئن بها ولكن في حالة واحدة وهي أن تقف أمام تلك النافذة الزجاجية العملاقة وتقول بينك وبين ربك: "سأصبر لله وأحتسب أمري عنده وسأنالك أيتها الحياة الحقة التي لا يمكنني الوصول إليها إلا بعد الممات". وحينئذ فقط، أي مع التسليم لله، تطمئن نفسك وتشعر بأن الخبز اليابس الذي وضعته في الماء كي تأكله بات له طعم الأترج. أعرف يا صديقي أن هذا الكلام صعب لا يفهمه إلا المؤمنون الصابرون. ولكن أملنا كبير بأن يجعلنا الله منهم. لذلك شرع لأمثالنا، بفضل جوده وكرمه، سنة الدعاء وهي خير مركب نستعين به كي نبحر إلى ما نريد، وكي نسأل مولانا متواضعين مستسلمين أن يجعلنا من أولئك السعداء وهذا، يا صديقي، هو الرزق الحقيقي الذي يأتينا بالسلامة في الدنيا والآخرة.

 ©جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي

mohsenhedili2@gmail.com
©حقوق التصوير محفوظة للمصور نبيل الرواحي
nalrawahi@hotmail.com

تعليقات