جماليات رواية هل كان بورقيبة يخشى حقا معيوفة بنت الضاوي؟




بقلم: محسن الهذيلي 

لعلي كنت في آخر مراجعة لروايتي "الصديق" حين جاءني صديق برواية لشاعرنا الكبير منصف الوهايبي حفظه الله؛ فأخطأت الحساب وتركت المراجعة وانبريت أقرأ فيها فأخذتني معها لغة المنصف الوهايبي المتدفقة بالحياة ثم تسلمتني الشخصيات والأحداث والأماكن والتواريخ والعالم أجمع من قطبه إلى قطبه ومن مشارقه إلى مغاربه.. وهي الأدوات التي يستخدمها الوهايبي دائما خلال سفره عبر المشاعر وتجارب الحياة وتوليد اللغة..🌿

ويمكنني اعتبار رواية الشاعر التونسي الكبير منصف الوهايبي رواية جميلة وخفيفة الظل لعدة اعتبارات ومنها إن الرواية متعددة الشخصيات رغم حجمها الصغير نسبيا، وشخصياتها هذه أصيلة وطريفة مثل أحداثها. 

وقد ذكرتني هذه الرواية من خلال شخصياتها المرتبطة بالمدينة والأماكن المؤسسة لهوية هذه المدينة التاريخية العريقة، القيروان، بكتاب لشاعرنا البحريني الكبير قاسم حداد وهو "ورشة الأمل، سيرة شخصية لمدينة المحرق"

أما عن رأيي في الرواية وفي كل شعر منصف الوهايبي فلا أجد أفضل توصيفا لهما مما قاله الكاتب نفسه وهو يتحدث عن الأخيل أهم شخصيات الرواية والذي أظنه الأقرب إلى نفس الكاتب وإحساسه بالأشياء والمخلوقات والأماكن والأشخاص والأحداث؛ وذلك حين أخبرنا عن حديثه وبراعته خلال "نقلنا في كل جلسة، من حديث إلى آخر ومن واقعة إلى أخرى! أحاديث وحكايات يتهيأ لي الآن أنها أصداء تتردد في أمكنة مختلفة، بعضها ربما لم يوجد! وبعضها ربما اضمحل! أصداء يضفي عليها موسيقى وأصواتا، وكأنه يوقظ ينابيع قديمة أو يتسلق قوس قزح! ولم يكن الأخيل مكانا ولا قوسا، إنما كان سهما واتجاها..." هذه الكلمات تعبر بدقة عن رأيي في رواية" هل كان بورقيبة يخشى حقا معيوفة بنت الضاوي؟ "

وهنا يسعدني أن أشير إلى جمالية وأصالة كل شخصيات الرواية حتى من ذكر منهم لماما مثل الصحبي والجد الذي أصيب في آخر عمره بالألزهايمر أو ابن العم علي ساسي أو حتى معيوفة؛ هذه الشخصية التي نجدها حاضرة جدا في عنوان الرواية على عكس نصها. وهو ما أعتبره من طرائف هذه الرواية وجمالياتها الإبتكارية، حيث نجحت في صنع هذه الشخصية التي بدت لنا أسطورية أو مما سكت عليه التاريخ لأسباب يمكننا أن نتفهمها.. نجحت في صنعها من خلال ما سأسميه الإشاعة. فحضور هذه الشخصية القوي في العنوان ومجرد التلميح إليها فقط في النص جعلنا نحس إننا تجاه إشاعة صنعها الكاتب نفسه لا نعرف مدى قربها من الواقع، مع تأثيرها القوي في واقع الرواية وأثرها الواضح على كل أجواءها ..! 

أما عن الأحداث فقد جاءت متسارعة رغم إن تاريخها متباعد وأماكنها متباعدة وأغراضها متباعدة، وهو ما أعطى جاذبية خاصة للرواية وجعل قراءتها سهلة وممتعة وتشبه جولة في متحف أو نزهة في بستان.. هذا مع الإشارة أننا ياما ضحكنا مع شخوصها السعيدة رغم ضنك العيش غالبا وأحداثها الطريفة رغم غرابتها.. 

كل هذا جعلني أقرأ الرواية التي احتفى فيها الكاتب كما في كل أشعاره بعائلته ودشرته ومدينته وبلاده وعالم الشهادة وعالم الغيب والماضي والحاضر والمستقبل، جعلني كل هذا الزخم للحياة أقرأ الرواية في أقل من أربع وعشرين ساعة وتخيلت نفسي مشمرا عن يديّ متربع أمام المائدة آكل من ملخية أم منصف وألعق أصابعي وأقول هذه أطيب ملخية أكلتها في حياتي 🌹🌿

تعليقات