سيناريو فيلم قصير: "الانتحار..."




بقلم: محسن الهذيلي

"هذا الفيلم خيالي، ولكنه، في خياله، ليس بعيدا عن الواقع.. وتجري أحداثه في مكان ما من اليابان. إنه من وحي ما لاحظته بعد زيارتين لهذا البلد. لقد بدى لي أن الشباب اليابانيين هم، في ذات الوقت، حساسون مرهفون حد الضعف وأقوياء جلدون حد كمال القوة. الفيلم يحاول أن يصور سبب ذلك، وهو سبب ربما يكون مرتبط بعلاقة خاصة لهم بالطبيعة وكل كائناتها ومكوناتها."
1-   خارجي/ نهار/ المسافة بين البلدة والغابة
تطير (الكاميرا) في السماء من عند البلدة إلى الغابة. يكون الطيران هنا من علو ونحس من خلال حركة (الكاميرا) فقط أننا ننظر إلى تحت بعيون نسر.
2-   خارجي/ نهار/ المسافة عبر الغابة إلى عند السيارة
عبر الغابة وبين أشجارها، تطير (الكاميرا) على منخفض إلى أن تصل عند سيارة متوقفة في الخلاء ومحركها يشتغل بينما بابها من جهة السائق مفتوح ولا أحد فيها.
3-   خارجي/ نهار/ عند السيارة
على خلفية صوت محرك السيارة نسمع صوت حركة سيارات كثيفة، فنفهم أننا لسنا بعيدين عن طريق سريع.
4-   خارجي/ نهار/ عند الطريق السريع
شاب في الثامنة عشرة من العمر (اسمه أندو)
من عند السيارة نتبع أثر خطوات على العشب، ثم غير بعيد نلاحظ وجود جدول ماء غير عميق، نقترب منه فنرى أن من كان في السيارة قد وطأه ثم غادره وقد علق الطين بقدميه، قريبا من الجدول، وبعد سياج حديدي به ثقب يمرر شخصا، يبدأ الطريق السريع ونرى أثر خطوات الطين عليه وهي تتمادى قصيرة إلى وسط الطريق السريع ثم لا يعود لها أثر، وبسبب حركة السيارات الكثيفة جدا لا نتصور أن شخصا يقطع الطريق بخطوات قصيرة يمكنه أن ينجو من الموت، ولكن أين الدم وأين الجثة؟ ترتفع الكاميرا قليلا فنرى على جزيرة الطريق السريع شابا في الثامنة عشرة من العمر جالسا على الأرض مادا قديمه أمامه ينظر مرعوبا في اتجاه الطريق، ونرى السيارات الكثيفة تمر سريعا.
الشاب:
-         (مشرعا عينيه، في نظرة كلها رعب، يتلمس جسده ثم يخاطب نفسه قائلا) أيعقل أن أكون نجوت؟!
5-   خارجي/ نهار/ الطريق السريع
الشاب أندو
نرى الطريق السريع في مشهد عام من أعلى وبنفس الحركة التي تعكس طيران نسر كما في المشهد الأول، ونلاحظ كثافة السيارات التي تعبر الطريق في اتجاهيه.
قطع
6-   خارجي/ نهار/ عند الطريق السريع
الشاب أندو
ننظر إلى "أندو" عبر حركة السيارات السريعة جدا.
أندو:
-         (مخاطبا نفسه) بسبب الطين، كنت بطيئا فعلا! كيف أمكن لهذه السيارات السريعة والكثيفة أن تتلافاني...؟ لقد كنت أحسها تمر بجانبي... (وهو يتلمس جسده ثانية وينظر إلى قدميه الممدودة أمامه) ربما اتفق أن كنت في المكان المناسب كل مرة.. أو ربما أكون ميتا الآن، هل علي أن أقطع الطريق ثانية لأتأكد؟؟ (وهو ينهض ولا يحول نظره عن الطريق أمامه) لقد قررت... (وهو يستدير) سوف أعبر الطريق مشيا إلى الخلف هذه المرة.
وهو يستدير ويتأهب لعبور الطريق السريع، نسمع صوت نسر في الجو، نفس الصوت الذي يرسله النسر عندما يحوم فوق جثة هامدة...
                                                الشاب:
-         (يرفع نظره إلى السماء)
قطع
7-   خارجي/ نهار/ مشهد على السماء
نرى النسر في السماء يحوم في شكل دائري
قطع
8-   خارجي/ نهار/ الطريق السريع
الشاب "أندو"
نرى الشاب من فوق بعين النسر، ويكون المشهد شبيها في زاويته بالمشهد الخامس ويختلف عنه أننا نرى أندو ينظر إلى فوق...
9-   خارجي/ نهار/ مشهد على الشاب في جزيرة الطريق (من خلال السيارات المارة بسرعة)
الشاب
                                                الشاب (يحدث نفسه):
-         عادة ما يفعل النسر هذا مع الموتى؟! هل صدمتني السيارات ومت وأصبحت جثة هامدة؟! (يتلمس جسده ثانية ثم يتحرك مستعدا لقطع الطريق) سوف أقطع الطريق الآن وأتأكد... (نسمع صوت خفقان جناحي النسر من قريب جدا، يخاف الشاب، يلتفت ويفتح عينيه واسعتين)
النسر:
-         (يحط على بضع أمتار من الشاب)
الشاب:
-         (ينحني خوفا من النسر الكبير وينظر إليه مرعوبا)
النسر:
-         (يقفز رويدا رويدا مقتربا من الشاب)
الشاب:
-         (وهو يحاول أن يبتعد ضمن جزيرة الطريق يتعثر من الخوف فيستلقي على ظهره ثم وكأنه يلعب دور جثة هامدة)
النسر:
-         (يقترب جدا من الشاب ثم يقفز فوقه)
الشاب:
-         (مرعوبا، يحس بثقل النسر على صدره وينتظر كيف يبدأ في تمزيقه بمنقاره الحاد)
النسر:
-         (عوض أن يبدأ في تقطيع لحم الشاب يستدير إلى الطريق)
الشاب:
-         (خائفا ولكن مستغربا تصرف النسر الذي يبدو أنه نسيه)
النسر:
-         (يتأمل الطريق أمامه، يستعد، ودون أن يطير يقفز إليه ويبدأ يقطعه مشيا، في البداية أمكنه أن يتلافى السيارة الأولى ولكن السيارة الثانية صدمته ولكن أمكنه أن يطير وينجو بنفسه. كان واضحا أنه أصيب.)
الشاب:
-         (يستدير إلى الطريق وينظر مندهشا إلى النسر، يقول مخاطبا نفسه) لماذا فعل النسر ذلك مكاني؟!
النسر:
-         (يطير في الهواء فاقدا لتوازنه)
الشاب:
-         (ينهض، يرفع نظره ملاحقا النسر الطائر في السماء)
النسر:
-         (يبتعد ويبدو أنه سقط بين أشجار الغابة الشاهقة ثم لا نعود نراه)
الشاب:
-         (ينظر نحو الغابة ثم يرفع رأسه إلى السماء فيرى سحابة كبيرة على خلفية سماء زرقاء فيستغرب، لحظة وتبدأ المطر في النزول من تلك السحابة)
10-                      خارجي/ نهار/ جزيرة الطريق السريع
الشاب
نرى الشاب يهرول، على طول جزيرة الطريق، على خلفية السيارات السريعة، والمطر ينزل عليه ويبدو أنه استعاد نشاطه..
11-                      خارجي/ المسلك بين القرية والطريق السريع/ نهار
ساعة إلى الوراء
الشاب
نرى الشاب راكبا في السيارة التي سبق ورأينا يقطع المسافة بين القرية والطريق السريع، ونحس ببعد المسافة أكثر مما أحسسنا بها في المشهد الأول.
                                            الشاب أندو:
-         (يقود السيارة ويبكي ويمسح دموعه..)
12-                      خارجي/ داخل السيارة الواقفة عند الطريق السريع بجانب الجدول وقريبا من السياج/ نهار
ينظر جهة الطريق السريع الذي ليس بينه وبينه سوى السياج الحديدي المثقوب
13-                      خارجي/ الطريق السريع/ نهار
نرى العدد الكثيف من السيارات تمر مسرعة ضمن الطريق في اتجاهيه
14-                      خارجي/ عند السيارة/ نهار
الشاب
ينزل الشاب من السيارة ويترك محركها يعمل وبابها مفتوحا، يعبر الجدول فتوغل قدماه في ماءه، يتعلق الطين بقدميه، يعبر السياج المثقوب، يصل عند جانب الطريق السريع، يرى عدد السيارات الكثيف، يفكر، يغمض عينيه.
15-                      خارجي/ الطريق السريع/ نهار
تمضي الكاميرا من عند الشاب المغمض عينيه إلى قرابة المائة متر من الجهة التي تأتي منها السيارات...
16-                      خارجي/ الطريق السريع على مائة متر من مكان الشاب/ نهار
نرى سبع من السلاحف التي يتراوح وزنها بين الكيلوغرام والثلاث كيلوغرامات تبدأ تقطع الطريق السريع من جهة جزيرة الطريق إلى الجهة التي فيها الشاب
17-                      خارجي/ الطريق السريع على مسافة مائة وخمسين مترا من مكان الشاب/ نهار
السائقون
نرى عددا من السائقين يلاحظون مرور السلاحف فيشعلون ضوء الخطر ويخفضون في سرعة سياراتهم، ونرى كيف تخفض باقي السيارات في سرعتها وتصبح الحركة على الطريق بطيئة، بهدوء تبدأ السيارات في تلافي السلاحف وهي تمر..
18-                      خارجي/ الطريق السريع مع الشاب/ نهار
الشاب
                                                الشاب:
-         (يقف الشاب تجاه الطريق السريع مغمض العينين مرتعشا ويستمع إلى الطريق وحركة السيارات الكثيفة، يبدأ يقطع الطريق بكل بطئ مغمض العينين حذرا أن ينزلق بسبب الطين العالق بقدميه)
نرى السيارات تمشي بطيئة بسبب إنطلاقها من جديد بعد تباطئها عند السلاحف، ونراها تتلافى الشاب الذي كان يقطع الطريق مغمض العينين... نرى السائقين ينظرون إلى الشاب مندهشين ومستغربين سلوكه ولكن دون أن ينبسوا بكلمة أو يستعملوا أبواق سياراتهم... كانوا كالمتفرجين.
                                                الشاب:
-         (يصل الشاب عند جزيرة الطريق فيصطدم بحرفها، يستلقي على أرض الجزيرة ويبقي على عينيه مغلقتين، حينئذ نستمع إلى صوت السيارات تستعيد سرعتها وكثافتها )
19-                      خارجي/ الطريق السريع عند الشاب/ نهار
الشاب
يفتح الشاب عينيه وينظر إلى آثار خطواته على الطريق السريع ثم يتلمس جسده شاكا أنه لايزال على قيد الحياة.
20-                      داخلي/ مطبخ في بيت/ نهار
بعد يوم
الشاب أندو، الأم (في الستينات)، الأب (في الستينات)
يبدو من ارتعاش الأبوين أنهما مصابين بمرض "باركينسون" حيث يرتعش ثنتاهما وهما جالسين أمام طاولة لتناول فطور الصباح، ويقوم الشاب "أندو" بمساعدتهما أحيانا حتى في الأكل...
نسمع صوت ضرب على خشب في الخارج.
                                                الشاب أندو:
-         (ينتبه إلى الصوت القادم من الخارج، يذهب إليه على عجل ويغادر المطبخ من خلال باب خلفي)
21-                      خارجي/ سطحة المطبخ المفتوحة على حديقة خارجية/ نهار
الشاب أندو
                                                الشاب أندو:
-         (ينظر أندو إلى مصدر الصوت فإذا به يرى سلحفاة ذات ثلاث كيلوغرامات تقريبا تضرب على صندوق خشبي من جملة عدد من الصناديق التي يستعملها الفلاحون لوضع منتوجاتهم، يبتسم "أندو" ثم يرجع سريعا إلى المطبخ، برهة ويعود وفي يده صحنا من السلطة وبعض الغلال يصبه أمام السلحفاة ويبقى يتأملها سعيدا)
صوت عجوز من الداخل:
-         أندو.. أندو..
الشاب أندو:
-         (يدخل مسرعا)
22-                      داخلي/ المطبخ/ نهار
الأم، الأب، الجارة العجوز (في الثمانينات)، الشاب أندو
                                                العجوز:
-         (مبتسمة ومنشرحة) أندو.. لقد تأخرت على الجامعة...
الشاب أندو:
-         صباح الخير يا جارة...
العجوز:
-         (وقد بدأت في خدمة المريضين) صباح الخير.. يمكنك أن تمشي الآن..
الشاب أندو:
-         (وهو يغادر المطبخ يقول) سوف لن أتأخر اليوم.. عندي محاضرة واحدة..
العجوز:
-         (تضع قصبتين في كأسي الأبوين كي تسهل عليهما شرب الحليب وتقول لهما) سأروي لكما أغرب ما جرى لي البارحة، لقد رأيت فوق الأشجار التي أمام البيت نفس النسر الذي سبق أن جاءني قبل سنوات مجروحا وعالجته...
الأبوين المريضين:
-         (ينظران إلى بعضيهما ويبدو أنهما لا يصدقان ما تقوله العجوز)
23-                      خارجي/ أمام الجامعة/ نهار
الشاب أندو
نرى الشاب "أندو" في سيارته التي سبق أن رأينا، يركنها في الموقف، يمشي، وعندما يقترب من مدخل الجامعة تبدأ المطر في النزول، يرفع رأسه إلى السماء فيرى السحابة الكبيرة على خلفية سماء زرقاء فيبتسم إليها ثم يسرع إلى الداخل منشرحا وسعيدا. (انتهت)

©جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
mohsenhedili2@gmail.com
©حقوق التصوير محفوظة للمصور نبيل الرواحي
nalrawahi@hotmail.com



تعليقات

إرسال تعليق