سيناريو فيلم قصير: "الطيار والأولاد"



سيناريو فيلم قصير: "الطيار والأولاد"
بقلم: محسن الهذيلي
رغم أن الفيلم يبدأ من واقعة تاريخية وهي قصف طائرة حربية إسرائيلية لأربع أطفال فلسطينيين كانوا يلعبون على الشاطئ فقتلتهم، رغم هذه البداية إلا أن كل أحداث الفيلم وشخوصه خيالية تماما.
1-   شاطئ بحر غزة/ خارجي/ نهار
الأطفال الفلسطينيون الأربعة (9-11 سنة)، الطيار الصهيوني
في هذا المشهد نطالع ما جاء في الفيديو الذي سربه بعض الصحفيين في مطاردة طائرة حربية اسرائيلية لأربع أطفال فلسطينيين كانوا يلعبون الكرة على شاطئ غزة، ونرى أيضا كيف قصفتهم وأردتهم جميعا.
2-   جو المطار الحربي/ خارجي/ نهار
من الجو تبدأ الطائرة في الهبوط إلى المطار
3-   أرض المطار الحربي/ خارجي/ نهار
الطيار، بعض زملائه
تحط الطائرة على أرض المطار وينزل منها الطيار ويمضي نحو باب الخروج، يبدو شاردا ولا يرد على من يحييه أو يخاطبه من الزملاء
                                                أحد الزملاء:
-         كيف كانت الرحلة؟... ممتعة أليس كذلك؟! هههه...
زميل ثان:
-         إنه منزعج بسبب الطائرات بدون طيار... عليه أن يكون أكثر ابداعا في القتل كي يدافع عن وظيفته... ههههه
الزميل الثالث:
-         (كان يقوم بفحص محرك إحدى الطائرات، يرفع يده محييا) شلوم...
الطيار الطيار:
-         (يرفع رأسه نحو زميله ولكن لا يرد)
الزميل الثالث:
-         (يتابعه بنظرات مستغربة)
4-   خارجي/ موقف السيارات/ نهار
الطيار
يمتطي سيارته وهو لازال في ملابس الطيران، يشغل المحرك ثم يغادر...
5-   داخلي/ السيارة/ نهار
الطيار
وهو يقود السيارة يمد يده يشغل الراديو، نسمع خبرا يتحدث عن تسرب فيديو قصف الطائرة الصهيونية لأطفال كانوا يلعبون بالكرة على الشاطئ، بعدها نسمع دفاع بعض المسؤولين الصهاينة على العملية وتبريرهم لها بمختلف التبريرات...
                                                الطيار:
-         (يستمع إلى التحليل ثم وقد ضاق به يغلق الراديو)
6-   عند الموقف على مشارف مدينة القدس القديمة/ خارجي/ نهار
الطيار
الطيار:
-         (يتوقف بسيارته عند الموقف على مشارف مدينة القدس القديمة، ينزل من السيارة ويترجل)
7-   سكة في القدس القديمة (توجد فيها كنيسة القدس)/ خارجي/ نهار
الطيار، أحد الجيران
                                                الجار:
-         (فرح) لباسك زادك تألقا...
الطيار:
-         (يرفع رأسه نحو جاره ثم يطرق ولا يرد)
الجار:
-         (يتوقف وينظر مستغربا تصرف جاره الطيار)
8-   أمام باب المنزل/ خارجي/ نهار
الطيار
وهو يعالج باب البيت بالمفتاح، يلتفت إلى جاره الذي بعد أن توقف مستفسرا انصرف...
9-   مطبخ المنزل (ذو طراز تقليدي فلسطيني مقدسي)/ داخلي/ نهار
الزوجة (وهي امرأة ذات شخصية قوية وصاحبة موقف)
                                                الزوجة:
-         (من خلال شاشة صغيرة موجودة في المطبخ، وهي تعد الطعام ،تتابع أخبار الطيار الصهيوني الذي قتل الأطفال الفلسطينيين الأربعة عند شاطئ غزة، في الأستوديو يأتي شخص يحلل الموقف ويبرر العملية... منفعلة وقد أغلقت التلفاز) قتلة وكذابين... (حينئذ تسمع باب الدار يغلق، تغادر المطبخ مسرعة)
10-                      فناء البيت/ داخلي/ نهار
الطيار، الزوجة
                                                الزوج:
-         (من فضاء الدهليز، يدلف إلى فناء البيت وهو ذو طراز معماري فلسطيني مقدسي، وتتوسطه نافورة ينعكس خرير مائها على خلفية هادئة وممتعة)
الزوجة:
-         (من عند باب على الفناء تنظر إلى زوجها نظرة متفحصة، تلاحظ أنه لم يغير ملابسه فتقول ببرود) شلوم...
الطيار:
-         (يلتفت حزينا ولا يرد ثم يسمع صوت عصفور فيرفع رأسه شاردا يبحث عنه)
الزوجة:
-         (تنظر نظرة من شكت في أن زوجها هو الذي قتل الأطفال على الشاطئ ولكنها لا تسأل)
الطيار:
-          (يتخذ سلما إلى الغرف العلوية)
11-                      غرفة إيهود (أكبر الأبناء)/ داخلي/ نهار
الطيار، الزوجة، الأربع أبناء (في نفس عدد وأعمار الأطفال الذين قتلوا على الشاطئ)
يلعب الأطفال مجتمعين على الأرض ألعابا حربية مستعملين طائرات وبواخر حربية ودبابات، ويلعبون أدوار من يقصفون موقعا وهميا في شكل قرية عربية يتوسطها مسجد ذو مئذنة... يفتح الطيار الباب ويطل وزوجته من بعده، ينتبه الأطفال لوجودهما فيفرحوا إلا إنهم لا يتركون ألعابهم
                                                إيهود:
-         (يلعب بطائرة حربية تقاد بالريمود وهو يحدث بفمه أصواتا للطائرة وصواريخها)
                                                الطفل الأصغر:
-         (مشيرا إلى شقيقه إيهود ومستبشرا) أبي.. إيهود قتل آلافا من العرب...
الطيار:
-         (حزينا يقترب من ابنه، يجثو على ركبتيه يعانقه ثم يرفع رأسه إلى الباقين)
ينظر الأطفال إلى أبيهم، فيتوقفوا فجأة عن اللعب ويقتربوا منه.
                                                الزوجة:
-         (وقد انصرف الأطفال إلى أبيهم تنقض على اللعب العسكرية فتجمعها فوق بعضها وترميها بغل في سلة وتبقي على القرية العربية)
الطيار:
-         (وقد تحلق به أبناؤه، يرفع رأسه إلى زوجته ينظر ماذا تفعل وما أحدثته من أصوات، بعدها يحنو على أطفاله فيعانقهم جميعا وينظر إليهم وكأنه يراهم لأول مرة)
                                                الطفل الأصغر:
-         (أثناء العناق وعلى خلفية هادئة يمد يده ويمسح على النياشين المعلقة على صدر أبيه مداعبا)
12-                      غرفة النوم/ داخلي/ ليلا
الطيار، الزوجة
الطيار:
-         (يقف أمام المرآة يفتح أزرار سترته، ينتبه إلى النياشين المعلقة، يتأملها حزينا ثم يشدها بيده ويمزقها ثم يضعها على الطاولة أمامه، يضع يديه عليها ويتطلع مليا إلى وجهه في المرآة ثم ينفجر بالبكاء...)
الزوجة:
-         (مع صوت البكاء تفتح باب الغرفة تطل منه ودون أن تبرح مكانها عند الباب تنظر نحو زوجها بحزم وبنظرة فيها من عدم الاحترام ما فيها ثم تنسحب وتغلق الباب...)
13-                      طائرة مدنية/ داخلي/ نهار
الطيار (وقد أطلق لحيته)
يجلس عند النافذة يتأمل السحب التي تطير فوقها الطائرة
14-                      طريق في "بيروجيا" السفلى/ خارجي/ ليلا
الطيار
وقد لبس مثلما يلبس أولئك الرحالة الذين نراهم أحيانا في ملابس مبتذلة ويحملون على أظهرهم حقائب ظهر كبيرة يضعون فيها كل حوائجهم، نراه يمشي وحيدا على جانب الطريق في مدينة "بيروجيا" الإيطالية
15-                      (Rocca Paolina)/ داخلي/ ليلا (في وقت متأخر بحيث نرى المكان خاليا من الناس)
الطيار
يركب السلم المتحرك (The escalator) الذي يأخذ إلى مدينة "بيروجيا" القديمة  عبر مسلك مغطى يغلب عليه طابع الجدران السميكة
16-                      المسلك الرئيسي للمدينة القديمة/ خارجي/ ليلا (نفس الوقت)
الطيار
يمضي الطيار في اتجاه ساحة النافورة (Piazza Fortebraccio)
17-                      عند ساحة النافورة/ خارجي/ ليلا (في نفس الوقت تقريبا)
الطيار
عندما يصل عند مستوى (Piazza Fortebraccio) يتوقف ويلتفت اتجاه جامعة الأجانب لتعليم اللغة الإيطالية...
18-                      جامعة الأجانب لتعليم اللغة الإيطالية/ خارجي/ ليلا
نرى مبنى الجامعة الكبير ذو اللون الوردي.
19-                      عند ساحة النافورة/ خارجي/ ليلا
الطيار
ينظر في اتجاه الجامعة ثم يطرق ويتابع سيره على طول الطريق قاصدا "بيت الشباب"
20-                      أمام بيت الشباب/ خارجي/ ليلا
الطيار
يدخل بيت الشباب
21-                      بيت الشباب/ داخلي/ ليلا
الطيار، العامل في بيت الشباب
يفتح له العامل إحدى الغرف، يدخل قبله، يشعل الأضواء، نرى أن الغرفة كبيرة ومكونة من عدة أسرة مصفوفة...
                                                العامل:
-         (بالإيطالية) الغرفة فارغة كما ترى... (ويبقى ينتظر)
الطيار:
-         (بعد أن يضع حقيبة الظهر عنه، يدخل يده في جيبه ويخرج ورقة نقدية يضعها في يد العامل)
العامل:
-         (بعد أن يتعرف الورقة النقدية) سأسعى أن تبقى وحدك في الغرفة...
الطيار:
-         (يحرك رأسه شاكرا)
العامل:
-         (يغادر الغرفة ويغلق الباب)
الطيار:
-         (يمشي في الغرفة يتفقدها، يتوقف عند الشباك يفتحه)
22-                      بيروجيا/ خارجي/ ليلا
منظر عام على "بروجيا" من فوق ليلا
23-                      الغرفة/ داخلي/ ليلا
الطيار
من عند النافذة يمشي نحو الطاولة، يخرج من حقيبته كراسا وقلما ويجلس يكتب ونبدأ نسمع ما يكتب.
                                                صوت الطيار:
-         مي... أين أنت؟!... لقد عدت إلى "بيروجيا" التي تحبين العيش فيها، كنتي تقولين لي إنك خائفة من الرجوع إلى القدس أن يقتل أطفالك الأربعة، كنتي تحلمين وتتمنين أن يكونوا كلهم صبيانا... آه... منذ حين وأنا أمر بـ(Piazza Fortebraccio) رأيت مبنى الجامعة الذي تقابلنا فيه أول مرة... (يرفع رأسه حزينا يفكر ثم يرجع يكتب)
24-                      المطعم الطلابي لجامعة الأجانب في "بيروجيا"/ داخلي/ نهار
الطيار، الطالبتان العربيتان (إحداهما محجبة)
يكون المطعم مكتضا بالطلبة، وهم يأكلون ويتحاورون ويضحكون، مع تركيز على طالبتان عربيتان إحداهما محجبة.
                                                صوت الطيار:
-         حدثتني يومها عن القضية الفلسطينية، لم تكوني تعلمين أنني يهودي ولم أخبرك بالأمر لأن ذلك لم يكن يعني شيئا لدي... قلتي لي إن التاريخ أثبت أن من يدخل فلسطين بلا قلب فلسطيني لابد أن يتحول إلى قاتل أطفال...
25-                      أمام كنيسة كاتيدرائية/ خارجي/ نهار
الطيار
يمشي إلى أدراج الكاتيدرائية ويجلس عليها ينظر إلى المارة..
                                                صوت الطيار:
-         عند أدراج كاتيدرائية "بيروجيا" جلسنا وأكلنا تصبيرات وأخبرتني أنك من عائلة مسيحية مقدسية بنت كاتيدرائية القدس... كم أسعدني أن أعرف ذلك، سألتني إن كنت فلسطينيا، عندما أخبرتك بأنني اسباني قلتي لي "لابد وأن لك دما فلسطينيا... أو عربيا على الأقل"...
26-                      في سكة ضيقة من مدينة "بيروجيا" القديمة/ خارجي/ نهار (مغرب)
الطيار
العابرون للطريق قليلون جدا
                                                صوت الطيار:
-         ولكنك فجأة اختفيتي ولم أجد لك أثرا، بحثت عنك في كل "بيروجيا" واضطررت في الأخير إلى أن أزور القدس من أجلك، أول ما دخلت القدس انبهرت بها مثلما انبهرت بك عندما التقيتك أول مرة، وكتعويض عن غيابك تملكتني رغبة جهنمية في امتلاك بيت قريب من كاتيدرائية القدس، عندما حصلت على البيت جاءني رجل فلسطيني لا أعرفه فقال إن البيت لرجل من عائلتك، لم يكن يدري أنني أعرف عائلتك، قال إن صاحبها مات كمدا لأنهم اغتصبوا بيته، لم أنصت للرجل ونهرته لأنه يريدني أن أعيد البيت إلى أصحابه بينما دفعت فيه كل ما أملك، ورغم ذلك فقد حزنت، ثم رجعت أختان نفسي وقلت لها: "لابد أن أفرح بهذا البيت، إنني أجد فيه ريح مي..."، وحتى زوجتي فقد انتبهت للأمر وقالت لي يوما: "إنك تتعامل مع هذا البيت وكأنك تتعامل مع إمرأة!" قلت لها: "إنها رغبتي في حماية هذا التراث الجميل..." قالت: "إن المستعمرين الغربيين وهم ينهبون تراث الشعوب ويضعونه في متاحفهم كانوا يقولون إنما نفعل ذلك لحمايته، أنتم الآن تستحوذون عليه مع أرضه بعد أن قتلتم أصحابه وهجرتموهم ولازلتم تدعون أنكم تحمونه..."  
27-                      سكة ضيقة في "بيروجيا" القديمة/ خارجي/ ليلا
الطيار
                                                الطيار:
-         (وهو جالس على درج ينظر إلى المكان من حوله، فإذا بشخص قادم، فيتأمله وكأنه تعرفه ثم يرفع رأسه إلى السماء فيرى أن الليل قد هبط فينهض ويمشي، ونسمع الصوت) مي... لا أدري إن كنت أستطيع أن أخبرك ماذا أصبحت بعدك... (ينظر إلى السماء من حوله) ولكن أقسم لك أنني سأنتقم لك من نفسي... سوف أحرقها مثلما أحْرِق ذلك الصبي الفلسطيني حيا في القدس ومثلما أحْرقت الصواريخ الاسرائيلية أطفال غزة... وسوف أكتب لوحة أضع عليها إسمي وأعترف فيها بكل جرائمي... فلعل ذلك يجعلك تصفحين عني بقلبك الفلسطيني... (سكوت) لابد أن أفعل ذلك أيضا من أجل صبياني الأربعة... (يتوقف ويطأطأ رأسه مليا)
28-                      أمام بيت الشباب/ خارجي/ ليلا
الطيار
يرفع رأسه فإذا به أمام بيت الشباب، يمشي إليه ثم يدخله
29-                      بهو بيت الشباب/ داخلي/ ليلا
الطيار، عامل البيت
يسلم عامل البيت على الطيار فيرد هذا الأخير بحركة من رأسه، عندما يمر يلاحقه العامل من الخلف بنظرة غير عفوية.
30-                      أمام باب الغرفة/ داخلي/ ليلا
الطيار
يريد الطيار أن يفتح الباب فيجده مفتوحا (مشققا) فيتعجب، يلتفت خلفه جهة العامل ثم يدفع الباب ويدخل..
31-                      الغرفة/ داخلي/ ليلا
الطيار، الشاب الأمريكي الأشقر (وهو شاب يبدو سعيدا وكثير الكلام)
                                                الشاب الأشقر:
-         (يأدي الصلاة الإسلامية)
الطيار:
-         (يدخل الغرفة على مهل، يستكشف من في الداخل، يفاجئ بالشاب الأشقر بصدد أداء الصلاة على الأرض، يزيد إحراجه، مترددا يمشي نحو النافذة، يفتحها ويتأمل المشهد العام على "بيروجيا" من فوق في الليل، أثناء ذلك يبدو أن أفكاره استغرقته)
الشاب الأشقر:
-         هل ضايقك وجودي...؟!
الطيار:
-         (وقد فوجئ بحديث الشاب الأمريكي الذي قطع عليه حبل أفكاره، يلتفت إليه وتلمع على شفتيه ابتسامة حزينة يحرك بها رأسه مستفسرا)
الشاب الأمريكي الأشقر:
-         (مبتسما) عندما يجتمع إثنان في غرفة، وقوف أحدهما عند النافذة دليل على هروبه من الآخر...
الطيار:
-         (وقد استغرقته همومه يحاول أن يقول شيئا) لا...
الشاب الأمريكي:
-         (متماديا) أحب هذا المكان.. يأتيه من يحبون لقاء الناس...
الطيار:
-         (مستبشرا قليلا، يتقدم ويجلس على سريره بحيث يكون أقرب من الشاب)
الشاب الأشقر:
-         (مبتسما) من جيل السبعينيات، أليس كذلك؟
الطيار:
-         (ليس دون دهشة ومحركا رأسا موافقا ومفكرا) عمري ثلاث وأربعون...
الشاب الأشقر:
-         (مبتسما) أنا تسع وثلاثون... عندما نكون في هذا العمر ونرجع بمفردنا إلى "بيروجيا" فمعناه أننا جئنا بحثا عن ذكريات حلوة عشناها...
الطيار:
-         (موافقا برأسه مع لمعان ابتسامة مكبوتة على شفتيه)
الشاب الأمريكي:
-         (متجرئا ولكن بعينين ضاحكتين) هل كان حبا...؟
الطيار:
-         (بنفس الابتسامة، يتطلع إلى الشاب ولا ينبس بكلمة)
الشاب الأمريكي:
-         (مبتسما ومواصلا وكأن الطيار قد رد بالإيجاب) معي، لم يبلغ الأمر حد الحب، كان مجرد "لقاء"، لقد جرى قبل عشرين سنة، ولكنه أثر في حاضري وقلبه رأسا على عقب (وقد سكت ونظر إلى الطيار في كثير من البراءة والعفوية) هل تحب أن أروي لك حكايتي...؟
الطيار:
-         (مندهشا كيف وصل بهما الحديث إلى هذا المستوى ولكنه يحرك رأسه موافقا وقد انفرجت شفتاه عن ابتسامة طرية وانحنى إلى الأمام بحيث أدنى رأسه أكثر اتجاه الشاب الأمريكي)
الشاب الأشقر:
-         (مستبشرا، يتوقف عن الكلام قليلا وهو ينظر إلى الطيار) ولكن عندي شرط... أحدثك عن "لقائي" وتحدثني عن حبك... (مبتسما)
الطيار:
-         (مفكرا يحرك رأسه موافقا ولا ينبس بكلمة)
الشاب الأمريكي:
-         حكايتي تبدأ من الآخِر، كنت قد شاركت منذ عقد، ضمن الجيش الأمريكي، في حرب العراق... وكنا نمارس جرائم فضيعة... عندما انتبهت ذات صباح إلى هذه الحقيقة، قررت أن أنتحر ولكنني قلت في نفسي إن الانتحار سوف يريحني.. لذا أبقيت على حياتي حتى أتعذب أكثر... وفي أثناء تعذيبي لنفسي ومراجعتي لتاريخي المظلم لمعت أمامي لحظة مشرقة... (وهو يبتسم مستبشرا وينظر إلى الطيار مليا) إنه "اللقاء" الذي جرى لي هنا في "بيروجيا" قبل عشرين سنة... كان لقاء خاطفا... (رافعا يده مشيرا إلى ناحية المطعم الخطأ) كنت في المطعم (ثم مفكرا ومبتسما ومغيرا الناحية التي يشير إليها) لا المطعم من هنا... كنت قد انتهيت من الأكل وبصدد استطعام تفاحة "غراني" فائحة وفجأة جلست غير بعيد عن طاولتي فتاة عربية تلبس (مشيرا بيده) حجابا... كان ذلك أول مرة أرى فيه فتاة محجبة بتلك الطريقة، وكانت الفتاة جميلة ورائعة فقررت أن أشاكسها... نهضت من مكاني، أخذت طبقي وجلست أمامها على نفس الطاولة، على عكس ما توقعت، أخافها ذلك كثيرا وجعلت ترتعش، لم تعد قادرة حتى على المسك بالشوكة والسكين، ولا أدري كيف قلت لها حينئذ كلاما لم أكن أؤمن به، قلت لها: "هل يمكننا أن نتزوج؟"، وإذا بها تبدو أكثر تماسكا وقالت مرتعشة بعد أن ذهب عنها الحَزَن: "هل أنت مسلم؟!"، قلت: "لا"، قالت: "لن أتزوج إلا مسلما..."، قلت لها من باب التحدي: "فإن أسلمت هل تتزوجينني..."، نظرت إلي لأول مرة في عينيا للحظة وقالت: "نعم أتزوجك..."، قلت: "وأين أجدك؟"، قالت: "هنا..." ثم انصرفت، لم أكن أعرف وقتها أنني سأرجع إلى هنا، بعد عشرين سنة، وأكون قد أسلمت وتخففت من كل جرائمي...
الطيار:
-         (ينظر متأثرا ولكن لا ينبس بكلمة)
الشاب الأشقر:
-         كان لقاءا دام لحظات... لم أكن أقصد منه إلا اللهو، ووجدته الآن يعطي إلى حياتي معنى...
الطيار:
-         (ينظر متأثرا ولكن لا ينبس بكلمة...)
الشاب الأمريكي:
-         (طليق الوجه، ينظر إلى الطيار مستدعيا إياه للحديث...)
الطيار:
-         (لا يتكلم ولكنه يبقى ينظر إلى الشاب الأشقر مفكرا...)
الشاب الأمريكي:
-         (بوجه غمرته السعادة) الآن جاء دورك لتحكي حكايتك...
الطيار:
-         (بوجه حزين ومكفهر ينظر مفكرا وشاردا ثم قليلا قليلا تبدأ بعض الدموع تتجمع في عينيه ثم ترتعش شفتاه محاولا النطق...)
انتهت
© جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي (mohsenhedili2@gmail.com)

تعليقات