سيناريو فيلم قصير:
"الانتظار"
بقلم: محسن الهذيلي
1-
خارجي/ أمام بيت مهدم
في جنين/ نهار
الأم (سيدة محجبة في الأربعينات) الصبي1 (ياسر) (صاحب
البيت وهو الذي يخيط حذاءه الرياضي بيده، عمره 12 سنة)، الصبي2 (غسان) (عمره 13
سنة، يمسك جريدة يطالعها)، الصبي3 (وليد) (الأكبر سنا، عمره 14 سنة، يجلس على
الكرسي)، الصبي4 (صلاح) (عمره 11 سنة، مرة يجلس على الصندوق القصديري ومرة يقف
عليه كي يتطلع إلى الأفق أو لأنه يرتاح هكذا)، الصبي5 (فتحي) (يجلس على الأرض وهو
الأصغر سنا 9 سنوات)، الصبي6 (فارس) (عمره في 12، يجلس على لبنة)، الصبي7 (جهاد) (الوحيد
الذي في لباس المدرسة عمره 11 سنة وهو شقيق الصبي3 وهو لا يتكلم تقريبا)
على خلفية البيت المهدم يجلس
الصبية السبعة، على الأرض والأحجار. أحدهم يجلس على كرسي وآخر يجلس على صندوق من
القصدير. واحد منهم يقرأ جريدة وأحدهم يخيط حذاءه للرياضة. يلتحف الأطفال كلهم
ملابس رياضية وتمثل القمصان التي عليهم فرقا أوروبية مشهورة مثل برشلونة وريال
مدريد وبيارن ميونيخ وفرقا قومية مثل الفريق الأرجنتيني مع قميص مارادونا والفريق
الألماني والفريق البرازيلي.
أول ما نرى البيت المهدم بسبب
الحرب الأخيرة على غزة، نرى غشاية كتيمة كبيرة (Bâche) تغطي البيت
المهدم حتى لا يقطر عندما تنزل المطر. تخرج الأم منحية من باب جديد صغير وواطئ صنع
خصيصا للبيت المنهار. كما نرى أن جدار البيت قد بني بلبنات ذات لون رمادي داكن، وقد
بقي كما هو ولم يغطى بالاسمنت. تخرج الأم الأغطية وتنشرها على حبل غسيل طرفه مثبت
على ركام من الحجارة والآخر على عمود كهربائي.
في هذه اللحظة تمر في السماء طائرة
حربية إسرائيلية تصم الآذان. ترفع الأم رأسها إليها ثم تنظر إلى مجموعة الأطفال
الذين نسمع ركزهم ولم نرهم بعد وتقول:
الأم:
-
ياسر... خذ الأسطل وائتني
بالماء كي أعد لكم الغداء، عمك سيأتي اليوم...
في هذه اللحظة نرى مجموعة الأطفال
لأول مرة
الصبي1 (ياسر)
-
إننا ننتظر مصعب...
سيأتي بالكرة، عندنا مباراة...
الأم:
-
(غاضبة) وهل المباراة
ستطعمك...
الصبي4 (صلاح):
-
(وقد وقف على الصندوق
القصديري) عمة... الماء مقطوع اليوم على كامل جنين...
ترجع الطائرة بصوتها القوي ثانية
يرفع الأطفال رؤوسهم يتطلعون إليها
الصبي3
(الأكبر سنا) (وليد):
-
هذه الآف 16... إذا
رجعت مرة أخرى، علينا أن نستمع إلى الأخبار، فلابد أن شيئا حدث... وربما تكون
الحرب وشيكة...
الصبي2 (صاحب الجريدة) (غسان):
-
الآف 16 إذا طلعت ولم
تضرب من أول وهلة معناه أن دورها أن ترهبنا وحسب...
الصبي3 (وليد):
-
(مخاطبا الصبي2) ماذا
يقولون في الجريدة؟
الصبي2 (صاحب الجريدة) (غسان):
-
هذه جريدة الأسبوع
الفائت...
الصبي1 (ياسر):
-
أخبارك قديمة إذن...
الصبي2 (غسان):
-
ليست قديمة تماما... (يشير
إلى الصفحة أمامه) إن عباس لم يعد صديقا لنتينياهو... لذا فإن الحرب مستبعدة على
غزة...
الصبي3 (وليد):
-
ولكن دائما هناك حرب...
عندما يشب الخلاف بين نتينياهو وعباس لا تكون الحرب على غزة وإنما على الضفة وهو ما
يحدث الآن...
الصبي5 (وهو الأصغر سنا) (فتحي)
-
لن تكون هناك حرب على
غزة الآن... لأن أمي ستلد قريبا...
الصبي3 (الأكبر سنا والوحيد الجالس
على كرسي) (وليد):
-
(كالساخر) وهل أمك
الوحيدة التي ستلد قريبا في غزة؟!!!
الصبي5 (فتحي):
-
(فخور) ولكن أمي في
بطنها ثلاثة...
هنا تتوقف الأم عن نشر الفرش وتنظر
إلى الصبي المتكلم
الصبي4
(صلاح):
-
(وقد كان جالسا على
الصندوق القصديري، يقف عليه) جارتنا أم أشرف ولدت خمسة مرة واحدة...
الصبي5 (فتحي):
-
أمي تدعو الله دائما أن
تكون ولادتها سهلة... فقال لها والدي ادع الله إذن أن لا تقع حرب حتى تجدين مكانا
في المستشفى...
الصبي1 (ياسر):
-
كل نساء غزة تدعين الله
أن لا تقع حرب ولكنها تقع...
الصبي5 (فتحي):
-
أمي مستجابة الدعاء...
عندما فقدت أبناءها الثلاثة في الحرب الأخيرة دعت الله أن يرزقها ثلاثة في حمل
واحد...
الصبي2 (صاحب الجريدة) (غسان)
-
أمي أيضا مستجابة
الدعاء... كل سنة تدعو لي بالنجاح فأنجح...
الصبي5 (فتحي) (الأصغر سنا)
-
ولكن أمي عندما تدعو
الله تبكي...
الصبي1 (ياسر):
-
ليست أمك وحدها تبكي...
كل نساء غزة عندما يدعين الله يبكين... دائما أفاجئ أمي وهي تبكي وعندما أسألها ما
بك تقول لي: لا شيء إنني أدعو الله...
الأم:
-
(نراها من بعيد تبكي
وتمسح دموعها)
الصبي 6 (فارس) (الجالس على لبنة):
-
(مازحا) اطمئنوا لن تقع
الحرب قبل أن ننهي مباراة اليوم وننتقم لأنفسنا من فريق مصعب...
الصبي1 (ياسر):
-
(وهو يخيط حذاءه
الرياضي) المرة الفائتة غلبونا لأنني لعبت حافيا (وهو يغرز المخيط في الحذاء يصيب
اصبعه فيصيح ويضع اصبعه في فمه)
الصبي3 (وليد) (الأكبر سنا)
-
(ساخرا ومخاطبا الصبي1
الذي يضع اصبعه في فمه) أعتقد أن ذلك الاصبع كان في الحذاء قبل أن تضعه في فمك...
الصبي1 (ياسر):
-
(مازحا وساخرا من نفسه)
إنني أغسله بلساني فالماء مقطوع على جنين... (يضحك)
الصبي2 (غسان) (صاحب الجريدة):
-
(وهو يقرأ الجريدة) اطمئنوا
لن تكون هناك حرب...
يلتفت الجميع ناحية الصبي2 (غسان)
الصبي2
(غسان):
-
الامتحانات المدرسية
على الأبواب، لذا لن تقع حرب في القريب المنظور...
الصبي3 (وليد) (الجالس على الكرسي)
-
طز... الاسرائيلية
يختارون عمدا أوقات التحضير للامتحانات ليفسدوا علينا دراستنا...
الصبي2 (غسان):
-
افهم أولا... إنني لا
أتحدث عن امتحاناتنا نحن... إنني أتحدث عن الامتحانات في إسرائيل إنها قريبة...
في هذه اللحظة ترجع الآف 16 مرة
ثالثة...
الصبي3
(وليد) (الأكبر سنا)
-
(وهو يتطلع إلى الأفق)
لقد رجعت الفاسقة... إن الحرب قادمة يا جماعة، ألا توجد جريدة غير هذه القديمة (ثم
ينظر إلى الصبي1 (ياسر)) هل تلفزتكم تعمل؟
الأم:
-
(وهي تمر وفي يدها
سطلين فارغين وتغادر لجلب الماء تقول مجيبة على سؤال الصبي3 (وليد)) صديقك أفسد
البطارية
الصبي1 (ياسر):
-
ظننتها تشتغل بالماء...
الأم:
-
وهل وجدنا الماء كي
نشربه حتى تضعه في البطارية؟؟؟!!!!
تغادر الأم حدود البيت المهدم مبتعدة.
الصبي4
(صلاح):
-
(وقد كان واقفا على
الصندوق القصديري ينظر إلى الأم تنصرف، ينزل قدميه على الأرض يجلس على الصندوق ويقرب
رأسه من الصبي1 (ياسر) ويهمس قائلا) ياسر... هل صحيح أن أمك ستتزوج من عمك؟!
الصبي1 (ياسر):
-
(يواصل خياطته لحذاءه
ولا يرفع رأسه ولا ينبس بكلمة)
كل الباقين يهتمون للموضوع وينتظرون
ياسر أن ينطق
الصبي4
(صلاح):
-
(متماديا في حديثه) أمي
قالت أن أخوالك موافقون... والكل ينتظر موافقة أمك...
الصبي1 (ياسر):
-
(حزينا) زوجة عمي توفيت
في القصف الأخير على رفح... كانت امرأة كريمة جدا معنا... أمي تقول إنها وراء
انفاق عمي علينا بعد استشهاد والدي...
الصبي2 (غسان) (صاحب الجريدة)
-
(على أحر من الجمر) لم
تقل لنا... هل وافقت أمك عليه؟؟؟
الصبي1 (ياسر):
-
(يحرك رأسه بالسلب
ويقول) أمي لا تحبه لأنه فتحاوي...
الصبي 3 (وليد)
-
رفضته لأنه فتحاوي؟!!!
الصبي 6 (فارس):
-
جارنا أبو محمد حمساوي
وزوجته فتحاوية أب عن جد...
الصبي 4 (صلاح):
-
وجارنا أبو أيمن جبهاوي
وزوجته حمساوية وجاء الأبناء نصفهم جبهاوية ونصفهم حمساوية...
الصبي1 (ياسر):
-
عمي فتحاوي وزوجته كانت
فتحاوية والأبناء كلهم حمساوية... وهؤلاء هم الذين اختاروا أمي لأبيهم...
الصبي3 (وليد):
-
يريدون حمساوية في
البيت حتى ينقلبوا على أبيهم...
الصبي1 (ياسر):
-
أمي رافضة على كل
حال...
الصبي2 (صاحب الجريدة):
-
رافضة؟! وإذا تزوج عمك امرأة
أخرى ليست كريمة معكم مثل زوجته السابقة، كيف تعيشون؟؟!!!
الصبي1:
-
أمي تقول ربي هو
الرزاق...
الصبي5 (فتحي) (وهو الأصغر سنا)
-
أمي دائما تقول أن الرزاق
هو الله لذا رزقها ثلاثة أطفال في مرة واحدة...
الصبي3 (الأكبر سنا):
-
وهل هي سعيدة الآن
بالثلاثة أفواه التي سوف تأتيها قريبا؟!
الصبي5 (وهو الأصغر سنا)
-
(ينظر إلى السماء
كالحالم) لم أرى أمي سعيدة مثل هذه المرة وهي تسأل الله أن يولدوا بسلام ويكبروا
بسلام ويحرروا القدس...
في هذه اللحظة تنزل الكرة وسط
الأطفال فتحدث صوتا قويا ومفزعا ولكن يصيح الأطفال سعداء وينهضوا يتخاطفون الكرة.
2-
خارجي/ ساحة للعب قبالة
بيت ياسر المهدم/ نهار
كل الأطفال زائد فريق مصعب
لأول مرة نرى أمام البيت ساحة للعب
كرة القدم، ونرى من حولها كل البيوت مهدمة بسبب الحرب الأخيرة على غزة، وينتشر
الأطفال في الفضاء الواسع ليبدؤوا لعب الكرة، وإذا بالأباتشي تأتي...
الصبي3
(الأكبر سنا)
-
(يصيح مرعوبا وهو يركض
فزعا) تفرقوا... تفرقوا...
يعدوا الأطفال في كل اتجاه فزعين
وتبقى الكرة وحدها وسط الملعب...
(انتهى)
© جميع الحقوق محفوظة للكاتب محسن الهذيلي
mohsenhedili2@gmail.com
تعليقات
إرسال تعليق