بقلم: محسن الهذيلي
الإهداء:
إلى روح الأخ العزيز الشيخ محمد بن
سعود الفرعي
لقد التقيت بالشيخ محمد
في جامع السلطان قابوس الأعظم مرات قليلة. وأول مرة التقينا، كان في أول زيارة لي
لمركز التعريف بالإسلام. لقد رحب بي ترحيبا كبيرا، وصاحبني وقدمني للأصدقاء في
المركز. وأفهمني أنه سعيد بحضوري. كان متواضعا جدا. وعرفت فيما بعد أنه إمام
الجامع.
في المرات التي تلت
لقاءنا الأول، عرفت منه أنه يعد رسالة دكتوراه يشتغل فيها على دراسة الدور الذي
يمكن أن يلعبه عالم الدين من خلال مصاحبته لمرضى السرطان وكيف يمكنه مساعدتهم
نفسيا واجتماعيا، وذلك من أجل تجاوز بعض الاشكالات والتعقيدات الشرعية والدينية.
وكنت كلما التقيت
بالشيخ محمد ورأيت وجهه مشرقا وابتسامته مستبشرة، سألته عن بحثه وخاصة عمله
الميداني، فكان يجيبني بكل حب ويحدثني حتى في بعض التفاصيل الدراسية والابتسامة لا
تغادر محياه السعيد والمطمئن، كما لا ينحسر عن نظرته ذلك الصفاء الروحي العجيب.
سألته مرة: "كيف تستطيع أن تحافظ على هذا التوازن والسكينة وأنت تعمل في ذلك
الجو الاستثنائي"، كان يبتسم ويقول بعد أن يحرك يديه في الهواء وهو مرتاح
جدا: "عادي..."
1-
في طريق سريع/ خارجي/
نهار
سيارة خضراء تمر مسرعة حذو لوحة
مرور تشير إلى أن دبي تبعد 120 كم.
2-
الطريق السريع/ خارجي/
نهار
نفس السيارة الخضراء وقد خفضت
سرعتها، تفقد توازنها وتتمايل في الطريق ثم تقف على جانب الطريق.
3-
السيارة واقفة على جانب
الطريق/ داخلي- خارجي/ نهار
الشيخ عبد اللطيف (رجل أربعيني)، الزوجة، الأبناء
الصغار
الشيخ
عبد اللطيف:
-
أعتقد أني لم أعد قادر...
على القيادة...
الزوجة:
-
(مرعوبة) عبد اللطيف!!!
ما بك؟!
عبد اللطيف:
-
لا شيء... (يرخي الكرسي
إلى الخلف) سوف أرتاح قليلا... أحس بألم بسيط... في ... (ثم يصمت ويغلق عينيه)
الزوجة:
-
(مرعوبة تكاد تجن) عبد
اللطيف... عبد اللطيف
عبد اللطيف:
-
(لا يعود يجيب أو
يتحرك)
الأطفال:
-
(وقد تحلقوا بأمهم
وأبيهم)
4-
على جانب الطريق السريع
(السيارة متوقفة ونرى رسم الجبال البعيدة على خلفية السماء)/ خارجي/ نهار
الزوجة:
-
(نسمعها دون أن نراها،
تصيح مرعوبة) عبد اللطيف أجبني... عبد اللطيف... لطفي... لطفي...
5-
غرفة نوم/ داخلي/ ليلا
قبل 15 ساعة
عبد اللطيف، الزوجة
الساعة تشير إلى الثالثة صباحا،
ينهض عبد اللطيف دون منبه، يجلس للحظات على السرير، يمسح على وجهه، ينزل من السرير،
يمشي ويدخل إلى بيت الحمام، يخرج، يفتح الخزانة يخرج ملابسه، يضعها، يرجع إلى
السرير، يقرب من زوجته ليوقضها.
عبد
اللطيف:
-
شمس... صباح الخير...
الزوجة:
-
لطفي... صباح النور...
(تنهض، تقعد على السرير للحظات، تمسح على وجهها ثم تنهض وتمضي إلى الحمام)
6-
أمام البيت/ خارجي/
ليلا
عبد اللطيف
يغادر عبد اللطيف البيت، يفتح باب
السيارة الخضراء، يركبها، يشغل المحرك، ثم يغادر الموقف.
7-
أمام جامع السلطان
قابوس/ خارجي/ ليلا
نرى السيارة الخضراء تصل عند جامع
السلطان قابوس وتدخل حيث مواقف السيارات.
8-
أمام مدخل الإمام في جامع
السلطان قابوس/ خارجي/ ليلا
عبد اللطيف
يدخل عبد اللطيف الجامع من خلال
المدخل الخلفي الخاص بالإمام.
9-
فضاء الإمام/ داخلي/
ليلا
عبد اللطيف
يفتح الباب يدخل في الظلام، يشغل
الإضاءة، ويمضي إلى الباب الذي يخرج إلى قاعة الصلاة.
10-
قاعة الصلاة/ داخلي/
ليلا
عبد اللطيف
يفتح الباب الذي يخرج إلى قاعة
الصلاة والذي يشبه الجدار ولا يبين بابا. يدخل عبد اللطيف على مستوى المحراب، يمشي
نحو الميكروفون، يقف أمامه، يفتح الميكروفون...
11-
ممر في البيت/ داخلي/
ليلا
الزوجة، الأولاد
تمشي الزوجة في الممر وتطرق بيدها
على أبواب الغرف المغلقة وهي تمضي دون أن تتوقف، لحظات ويخرج الأطفال من مختلف
الغرف ويلتحقوا بها.
12-
عند نافذة كبيرة/
داخلي/ ليلا
الزوجة، الأولاد
تطل النافذة على مشهد جامع السلطان
قابوس الأعظم، ويقف الجميع عندها ينتظرون. ثم نسمع الأذان خلال ذلك المشهد الجميل.
13-
قاعة الصلاة لجامع
السلطان قابوس (عند المحراب)/داخلي/ ليلا
عبد اللطيف، بعض المصلين
عبد اللطيف:
-
(يقف أمام الميكروفون
وهو يؤذن للصبح)
ونحن لا زلنا نسمع الأذان نرى عبد
اللطيف يؤم الناس ويصلي بهم.
14-
غرفة في البيت/ داخلي/
ليلا
الزوجة، الأولاد
الزوجة وهي تتقدم أولادها الصغار،
تؤم بهم الصلاة، ونراها جالسة للتحية وصف أولادها الصغار المأمومين وراءها، ثم
نسمعها تسلم.
15-
أمام مدخل الإمام في
الجامع/ خارجي/ نهار (بعد الشروق)
عبد اللطيف
يغادر عبد اللطيف الجامع، يركب
سيارته الخضراء ويمضي...
16-
مدخل قسم مرضى السرطان
في المستشفى/ خارجي/ نهار
عبد اللطيف، بعض العاملين والموظفين في القسم
يدخل عبد اللطيف إلى فضاء القسم
17-
غرفة مريض/ داخلي/ نهار
عبد اللطيف، المريض، الممرضة1، الممرضة2، الممرضة3،
الممرض
عبد
اللطيف:
-
(يجلس على كرسي عند
سرير المريض يستمع له)
الممرضات:
-
(تقمن على خدمة المريض)
المريض (في الأربعين):
-
(حزينا) قيل لي سوف أتحسن...
ولكن حالتي تسوء... (ينظر إلى الممرضات، واحدة فيليبينية والثانية هندية
والثالثة عمانية) الكل يكذبون هنا ما عداك يا شيخ عبد اللطيف، لذلك أحب زياراتك...
عبد اللطيف:
-
شعور متبادل... هل صليت؟
المريض:
-
وسمعت أذانك الجميل...
عبد اللطيف:
-
هل أيقضك؟!
المريض:
-
(حزينا) هذه الأيام... لا
أنام كثيرا يا شيخ... حين يأتي وقت الصلاة أفرح، فهي تريحني، وأعرف أن قدومك بات وشيكا...
حدثتني آخر مرة عن الموت في القرآن... آسف، ولكن الموت هو الموضوع الوحيد الذي
يشغلني...
عبد اللطيف:
-
ولكننا أحياء يا مصطفى... إننا في دار عمل...
المريض:
-
ولكن القرآن قال:
"إنك ميت وإنهم ميتون" أي الآن...
عبد اللطيف:
-
لأن الحياة قصيرة جدا...
المريض:
-
موتي بات وشيكا...
عبد اللطيف:
- هو كذلك للجميع...
المريض:
-
شيخ عبد اللطيف... أصدقني
القول... هل أحسست مرة أن الموت بات قريبا جدا منك...؟
عبد اللطيف:
-
هذا ما أحسه عندما أزور
مرضى هذا القسم... لهذا أحب أن أزوركم...
ممرض فلبيني:
-
(يدخل الغرفة ويقترب من
المريض والشيخ ويقول بالعربية) شيخ عبد اللطيف سلمى نهضت منذ حين وهي تسأل عنك...
قالت إنك قلت لها إنك مسافر اليوم وهي تريد أن تودعك...
المريض:
-
(همسا) الأطباء يقولون
إنها ستموت اليوم... كانوا ينتظرون موتها البارحة... إنها تعيش بدون مناعة منذ
فترة... ثم إن المرض لم يترك فيها شيئا... ألا ترى يا شيخ أن الله يعذبنا بهذا
المرض...؟ ولكن ما ذنب هذه الصبية البريئة... ماذا فعلت المسكينة...؟!
عبد اللطيف:
-
لو قلت لك إنها ستدخل
الجنة عندما تموت، هل كنت ستسألني هذا السؤال؟
المريض:
-
(ينظر إلى الشيخ عبد
اللطيف مليا ثم يطأطئ رأسه)
18-
غرفة الصبية سلمى/
داخلي/ نهار
عبد اللطيف، سلمى، أفراد من عائلتها، الممرضات اللاتي
يخدمنها
بينما تجلس عجوز على كرسي بقي
الجميع واقفون رغم وجود كرسي شاغر قريب جدا من فراش المريضة.
المريضة:
-
(تنام)
عبد اللطيف:
-
(يدخل الغرفة، ينتبه
إلى أن سلمى تنام، فيسلم بهدوء شديد يكاد يختصر على الحركة، يقف عند رأسها صامتا)
أم سلمى:
-
(تقرب الكرسي الشاغر من
عبد اللطيف)
عبد اللطيف:
-
(همسا) اجلسي من
فضلك... لقد كنت قاعدا...
أم سلمى:
-
إنها أوامر سلمى... حتى
عندما تكون غائبا، تفرض علينا ألا نجلس على الكرسي، تقول لنا إنه لك وإنك قلت لها
إنك ستأتي في أي لحظة... للحظات قليلة أحيانا تتركنا نجلس عليه عندما نسمعك تؤذن،
نقول لها لا يمكن أن يأتي الآن هو يؤذن وبعدها سيؤم الناس وكل هذا يأخذ وقتا...
فتسكت قليلا ثم تطلب منا أن نقوم...
ممرضة عمانية:
-
إنها لا تسمح حتى
للأطباء أن يجلسوا على الكرسي... إحدى المرات قال لها الدكتور نبيل: "ولكننا
نحن من نعالجك فماذا يفعل لك الشيخ عبد اللطيف؟!"، قالت: "الشيخ عبد
اللطيف يداويني..."
يبتسم الجميع.
سلمى:
-
(في هذه اللحظة تفتح
عينيها وتقول) شيخ عبد اللطيف، اجلس على الكرسي من فضلك... لقد انتبهت إلى حضورك
منذ دخلت ولكنني لم أستطع فتح عيني... شيخ عبد اللطيف... ألم تقل لي إنك ستكون معي
عندما أموت؟! فلماذا لم تأت البارحة... كانوا ينتظرون موتي...
عبد اللطيف:
-
لقد شغلني شيء ليس أهم
منك ولأنني لم آتي لم تموتي...
سلمى:
-
ولكنني يمكن أن أموت
اليوم أو غدا وأنت قلت لي إنك مسافر هذا المساء...
عبد اللطيف:
-
ربما أسافر وربما لا
أسافر... تعرفين أني لا أحب الذهاب إلى دبي...
سلمى:
-
ولكننا نحن الأطفال نحب
الإمارات لأن فيها كثيرا من الألعاب للأطفال...
عبد اللطيف:
-
وأي الألعاب تحبين
أكثر؟!
سلمى:
-
أحب منتجع شلالات الماء
في أبوظبي...
عبد اللطيف:
-
أما أنا فأحب الماء عندما
يكون جاريا في الفلج... المكان الذي أحب أن أشد إليه الرحال، بعد بيت الله الحرام،
مسجد قريتنا الذي يجري تحته الفلج...
سلمى:
-
قلت لي مرة: إن الجنة
تجري تحتها الأنهار... تذكرت هذا الكلام البارحة عندما كنت أنتظر عزرائيل... أليس
هو ملك الموت...؟
عبد اللطيف:
-
نحن لا ننتظر عزرائيل...
نحن نعيش... ومتى جاء فمرحبا به...
سلمى:
-
وأثناء حياتنا نعمل
الصالحات... أليس كذلك؟
عبد اللطيف:
-
(ينظر إلى ساعته) سلمى
علي أن أذهب الآن...
سلمى:
-
كي تسافر إلى دبي؟
عبد اللطيف:
-
أو أذهب عند الفلج وهو
ما أحبذه...
سلمى:
-
أنا سوف أذهب إلى جنة
تجري تحتها الأنهار... أليس كذلك؟... شيخ عبد اللطيف لو قيل لك إن مت معي فسوف
تذهب إلى جنة تجري تحتها الأنهار، هل كنت ستقبل أن تأتي...؟
أم سلمى:
-
سلمى...
عبد اللطيف:
-
بالتأكيد أجيء معك...
سلمى:
-
لأني أحبك أن تكون
معي... لقد جعلتني أحب الله...
عبد اللطيف:
-
سوف أذهب الآن وأرجع
إليك وأجدك تنتظرينني بإذن الله...
سلمى:
-
بعدما وعدتني هكذا...
يمكنك أن تذهب... (وتغمض عينيها)
عبد اللطيف:
-
(يبقى واقفا ينظر إلى
سلمى)
أم سلمى:
-
لقد أنهكها الحديث...
الممرضة العمانية:
-
الدواء يجعلها تنام
أيضا...
عبد اللطيف:
-
(يخرج في صمت)
19-
داخل السيارة/ خارجي-
داخلي/ نهار
عبد اللطيف، الزوجة، الأبناء
عبد
اللطيف:
-
(وهو يقود السيارة
وزوجته بجانبه والأطفال في المقاعد الخلفية) اسمعوني أريد أن أقول لكم شيئا...
الزوجة:
-
(تلتفت إلى زوجها
مبتسمة وسعيدة) ماذا تريد أن تقول؟! لابد أنها مفاجأة سارة...
الأطفال:
-
(ينتبهون)
عبد اللطيف:
-
أريد أن أقول إنني سوف
آخذكم غدا إلى منتزه شلالات الماء في أبوظبي...
الزوجة والأبناء ينادون بأعلى
أصواتهم وفي نفس الوقت:
-
الله أكبر...
عبد اللطيف:
-
(يلتفت إلى زوجته وإلى
أطفاله ويبتسم ثم ينظر أمامه، بعدها، ورويدا رويدا، تبدأ الابتسامة في الأفول،
وقليلا قليلا يعوضها انقباض واستقرار للنظر عند البعيد جدا....)
الزوجة والأبناء:
-
(نراهم يحتفلون ويرقصون
على كراسيهم وهم يحركون أيديهم في الهواء بدون أن نسمع أصواتهم، وهم غير منتبهين
إلى ما يحدث لعبد اللطيف)
20-
نفس المشهد 2
21-
غرفة سلمى في المستشفى/
داخلي/ نهار
سلمى، أفراد عائلتها وقد زاد
عددهم، عدد أكبر من الممرضين والأطباء، وقد ملأ الجميع الغرفة.
سلمى:
-
(تفتح عينيها منهكة جدا
وتنظر إلى الكرسي فتراه شاغرا) لا أحد يجلس على الكرسي... الشيخ عبد اللطيف قادم
الآن... أمي... لقد قدم الشيخ عبد اللطيف وأوفى بوعده... (تحدق إلى الكرسي) شيخ
عبد اللطيف... إلى أين نذهب...؟ إلى مسجدك الذي يجري تحته الفلج أم إلى جنة تجري
تحتها الأنهار...
(تمت)
© كل الحقوق محفوظة للكاتب محسن
الهذيلي
Mohsenhedili2@gmail.com
تعليقات
إرسال تعليق