نصيحة إلى صديق حميم 8



بقلم: محسن الهذيلي
لقد أرسلت إلي يا صديقي العزيز، منذ أيام قليلة، رسالة على واتساب تنعى فيها مبدع شخصيتي "طوم وجيري". وقد وجدت في ذلك فرصة لنا كي نتعرف أكثر على هذا الرجل الذي ليس كما يظن كثير من الناس.
وربما يمكنني تصنيف هذا الشخص، وذلك دون مبالغة ومن خلال عمله على "طوم وجيري" وحده، ضمن شياطين الانس في زماننا الحاضر. وهو تصنيف قرآني كما تعلم. فهذا الرجل ربى أطفالنا وأطفال العالم وربما كبارهم أيضا على قيم أخﻻقية تتناقض تماما مع القيم الأخﻻقية التي بعث الله بها أنبياءه من أجل تربية الانسانية، والتي نجدها  واضحة وبينة في قرآننا الكريم وسنة نبينا المطهرة.
إن الأفكار التي روج لها هذا الرجل طيلة حياته المهنية، وفي "طوم وجيري" تحديدا، كانت تمجد لأخلاق الخداع والقوة والغش وذلك بعيدا عن أي قيمة دينية أو حتى إنسانية.
فبالنسبة إليه يكون الشخص قويا وناجحا ونموذجا يحتذى به عندما يكون قادرا على التغلب على منافسه مهما كانت دناءة ولا شرعية ولا إنسانية الوسائل التي يستعملها.
فالقوي هو من يعرف كيف يستعمل قانون الغاب وقانون القوة لصالحه، قوة الحيلة وخبث الأدوات والاستعداد الحر لاستعمال كل الوسائل المتاحة مهما كانت ﻻ شرعيتها، وذلك كي يصل إلى هدفه ويحقق غرضه ويتغلب على عدوه. وهذا الأخير عندما ينهزم شر هزيمة  فإنه ﻻ يصور لنا كضحية أو كشخص مظلوم جرى الاعتداء عليه واغتصبت منه حقوقه وإنما يصور لنا كشخص مغفل يستحق ما ألم به وهو محل سخريتنا وازدراءنا.
أما المعتدي والخبيث والماكر والمجرم فإنه البطل في عيوننا وهو محل احترامنا وقدوتنا.
أما بالنسبة لماذا يأخذ المتعدي والشرير صورة "جيري" الصغير والوديع في الظاهر ويأخذ "طوم" صورة المخلوق الكبير والقوي وذو المخالب القوية، فهذا يدخل، يا صديقي، ضمن تزيين الباطل كما لا يخفى عليك.
إنها، يا صديقي العزيز، قيم الحضارة الغربية الجديدة التي تقوم على القوة والقدرة والرغبة في السيطرة على الطبيعة  ثم السيطرة على الانسانية، وهو ما بدأنا نعيش عصره اليوم مع صناعة جائحة كورونا. وكل ذلك تصاحبه سياسة خبيثة هي سياسة تزيين الباطل التي يقودها إعلام شيطاني.
وهنا أحب أن أسألك، يا صديقي العزيز، ألا ترى أننا أصبحنا نعيش اليوم إحدى حلقات "طوم وجيري"؟ ألست توافقني أننا بتنا أمام إحدى نتائج تربية ذلك الرجل الذي غادرنا أخيرا غير محزون عليه..
وأدعوك في الأخير، يا صديقي العزيز، إلى ضرورة الرجوع إلى بعض كتابات المبدع المرحوم عبد الوهاب المسيري، فلعلك تجد فيها أكثر حجة وإقناعا لما قلته لك. فأنا أعلم أنه أشار إلى مثال "طوم وجيري" في معرض بحثه عما يسميه "النموذج" في صناعة العقل الغربي المادي والﻻإنساني. ذلك العقل الذي يمجد أخلاق الغاب والقوة المحضة والذي حول الإنسان الذي كرمه الله إلى مادة استعمالية بعيدا عن الأخﻻق الإلهية أو حتى الإنسانية.

تعليقات