حب المسبحة




 

بقلم: محسن الهذيلي 

كنت وأنا طفل ألاحظ كيف أن الكبار وهم يذكرون الله ويحصون أذكارهم بالمسبحة، يقومون بعمل كان يبدو لي غريبا وقتها. كانوا عقب انتهائهم من وردهم أو جزء منه، يمسكون المسبحة بين أيديهم ويدلكونها دلكا خفيفا ما يحدث صوتا مخصوصا. 

في البدء كنت أجد ذلك الصوت غريبا، ولكن مع الوقت ألفته وأمسى محببا إلى نفسي. فقد بدأت أنتبه إلى السعادة الغامرة على وجوه من يفعلون ذلك. 

وأهم ما كان يسترعي انتباهي وقتها، هو أن أولئك المسبحين، وبعد فعل التسبيح، يمسك الواحد منهم المسبحة بكلتا يديه، يقربها إلى وجهه في لطف، وكأنه يريد شمها، ثم يقبلها بحرقة واضحة. 

كانت القبلة بالنسبة لي في ذلك السن تعبير عن محبة عارمة. فالصغار جدا كانوا يقبلون كثيرا. لذا كنت أتساءل لماذا كل ذلك الحب لمجرد مسبحة؟!

بعد ذلك كنت أكبر بين المسابح. فوالدتي كانت من المسبحين الله كثيرا، ووالدي عندما تقاعد واعتاد التردد على أرض فلاحية على ملك والدتي، وهي تبعد قرابة الأربعين كيلومترا عن بيتنا؛ كان يفضل الذهاب إليها وحده في السيارة. واكتشفت بعد ذلك أنه إنما يريد ذلك كي يكون وحده، فيتفرغ للذكر.

وطبعا كانت لوالدتي مسبحتها ولوالدي مسبحته. فهما يحملانهما معهما أثناء النهار وينامان بهما في الليل. 

وأنا أكبر عشت دائما غير بعيد عن الذكر وعن المسبحة.

ولكن أخيرا فقط، أي منذ أيام، وجدت نفسي، مثل جدودي وآبائي، أشد المسبحة التي أسبح بها، أمسكها بين يدي الاثنتين ثم أقبلها بكل حرارة. وهنا تساءلت: ما الذي تغير يا ترى؟! ما الذي دفعني إلى تقبيل مسبحتي بهذا الحب العفوي؟! ثم قلت مخاطبا نفسي: ربما بلغت مرحلة من العمر مر بها كل أولئك السابقين من أجدادي وآبائي الذاكرين.. 

الحمد لله 😊🌿

تعليقات