عمارة القلب عمارة الإنفتاح 19





بقلم: محسن الهذيلي 

ما الفرق بين المكان الحي والمكان الميت أو الآسن؟

مع الحضارة الحديثة عرفت العمارة كما مع العمارات الرسمية وعمارات السلطة عموما، كثيرا من التعمية والكذب. فالحداثة ومجتمع الاستهلاك جاءانا بالبهرجة وجعلاها طاغية حتى في العمارة التي يستعملها عموم الشعب. وهذه البهرجة لم تأخذ هذه المرة شكل الزخرفة والزينة كما في عمارات السلطة قديما، وإنما أخذت منها نفس أحجامها الضخمة والباهرة مع مؤثرات ديكورية مصطنعة.

ولنعد سريعا إلى سؤالنا عن كيفية التفريق بين العمارة الحية و العمارة الميتة أو الآسنة.

نحتاج كي نجيب على هذا السؤال إلى قليل من الخيال وكثير من الوعي وعدم تصديق كل ما يبرق أمام أعيننا. فبالوعي يتحرر الخيال. 

فعندما تكون في زحمة المدينة أو في مكان مثل "المول"، لا تغرنك ألوانه وأضواءه وروائحه، حاول أن تحلل تلك الخصائص، تخيل لو أن التنظيف المستمر والروائح الاصطناعية التي توضع في أرجائه وكل مرافقه على طول اليوم توقفت، تخيل لو أن التكييف الهوائي توقف، تخيل لو أن صوت الموسيقى الذي تسمعه وأنت تتنقل بين أروقته توقف، تخيل لو أن الأضواء الاصطناعية انقطعت؛ حينئذ ستجد نفسك في مكان مظلم صامت رائحته برائحة العفن.

المكان الحي يقع على طرف نقيض من هذا. وهو مكان لا تتغير ولا تتبدل ألوانه وأضواءه وروائحه، لأنها طبيعية ولا تحتاج إلى تعهد اصطناعي كل ساعة، لأن الطبيعة البكر متجددة تلقائيا.

فكن إذن قريبا من الطبيعة تكن في مكان حي تستمتع فيه روحك وتستريح. فهذه الأخيرة كما رأينا في مقالات سابقة لا يمكن الكذب عليها بالمصطنع الذي يخفي الأسانة والموت ويصنع أماكن نظن أننا نرتاح فيها ولكنها لا تناسب حقيقة أرواحنا وهي ترهقنا نفسيا. 

وإن كنت مهندسا معماريا فحاول حين تصمم أي مكان أن تجعله يستمد هواءه وألوانه وأصواته وروائحه من الطبيعة مباشرة، أي اجعله منفتحا عليها منغلقا على كل مؤثرات اصطناعية لا يمكنها أبدا أن تجعل من المكان حيزا حيا يقنع الروح ويسعدها.

تعليقات